للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فُعِل" مثلُ "ضُرِبَ"، و"قُتِلَ", ولذلك قالوا: "وَقَيتُ" و"طَوَيتُ"، فقدّموا الواو على الياء، ولم يأت عنهم مثل "حَيوَة" بتقديم الياء على الواو. قال سيبويه (١): ليس في كلامهم مثل "حَيوَة" أي: ليس في الكلام "حَيوَة" ولا ما يجري مجراه ممّا عينه ياءٌ، ولامه واوٌ. فأمّا "الحَيَوان"، فأصله: حَيَيانٌ، فأبدلوا من الياء الثانية واوًا كراهيةَ التضعيف. هذا مذهبُ سيبويه (١) والخليل إلا أبا عثمان فإنّه ذهب إلى أن "الحيوان" غير مُبدَلِ الواو؛ لأنّ الواو فيه أصل وإن لم يكن منه فعلٌ، وشَبَّهَ هذا بقولهم: "فاظَ الميّتُ يَفِيظُ فَوْظًا وفَيظًا". ولم يُستعمل من "الفَوْظ" فعلٌ. ومثلُه "وَيحٌ"، و"وَيْسٌ"، و"وَيْلٌ"، كلها مصادر، وإن لم يُستعمل منها فعل، والمذهبُ مذهب سيبويه, لأنّه لا يمتنع أن يكون في الكلام مصدرٌ عينه واوٌ وفاؤه ولامه صحيحان مثلُ "فَوظٍ"، و"صوغ"، و"مَوْتٍ" لا، واْشباهِ ذلك؛ فأمّا أن تُوجَد في الكلام كلمةٌ عينها ياءٌ، ولامها واوٌ، فلا، فحَمْلُه "الحيوان" على "فَوْظ" لا يحسن. وكذلك "حَيْوَة" الأصل: حَييَة؛ لأنّه من "حَيِيَ"، فأبدلوا من الياء الأخيرة واوًا على غير قياس لضرب من التخفيف باختلاف الحرفَيْن؛ لأتهم يستثقلون التضعيف، وأن يكون الحرفان من لفظ واحد، ولذلك شَبَّهَه بـ "جَبَيتُ الخراجَ جِباوةً"؛ لأنّ الأصل: جبايةٌ, لأنّه من الياء، فأُبدل منها الواو على غير قياس، فاعرفه.

قال صاحب الكتاب: وإنّ (٢) الياءَ وقعتْ فاءً وعينًا معًا، وفاءً ولامًا معًا، في "يَيْنَ" اسم مكان، وفي "يَدَيْتُ"، ولم تقع الواو كذلك. ومذهبُ أبي الحَسَنُ في الواو أنّ تأليفها من الواوات، فهي على قوله موافِقةُ الياء في "يَيَّيْتُ" (٣). وقد ذهب غيرُه إلى أنّ ألفَها عن ياء، فهي على هذا موافقتُها في "يدَيتُ". وقالوا: ليس في العربية كلمةٌ فاؤُها واوٌ ولامُها واوٌ إلَّا الواوُ، ولذلك آثروا في "الوَعْى" أن يُكتب بالياء (٤).

* * *

قال الشارح: قد يكون التضعيف في الياء كما يكون في سائر الحروف، ومعنى التضعيف أن يتجاور المِثْلان. فمن ذلك الفاء والعينُ، ولم يأت إلَّا في كلمة واحدة، قالوا: "يَينُ" في اسم مكان، وليس له في الأسماء نظيرٌ، فهذا كـ"كَوْكَب" و"دَدَنٍ" في الصحيح. وقد جاء التضعيف في الفاء واللام مع الفصل بينهما، وذلك نحو: "يَدٍ"، والأصلُ: "يَدْيٌ" بسكون الدال، والذي يدل أن لامه ياء قولُهم: "يَدَيْتُ عليه يَدًا", ولم يقولوا: "يَدَوْتُ"، وذلك إذا أَوْليتَه معروفًا. قال الشاعر [من الوافر]:

يَدَيتُ على ابْنِ حَسْحاسِ بن وَهْبٍ ... بأَسْفَلِ ذي الجِذاةِ يَدَ الكَرِيم (٥)


(١) الكتاب ٤/ ٤٠٩.
(٢) أي: واختلافهما أنّ.
(٣) يَيَّيْتُ: فَعَّلْتُ من الياء.
(٤) أي: بالألف المقصورة.
(٥) تقدم بالرقم ٧٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>