ألا ترى أن العرب لمّا استعملوا "لَو" استعمالَ الأسماء وأعربوها، زادوا على واوِ "لَوْ" واوًا أخرى، وجعلت الثاني من لفظ الأول، إذ لا أصلَ لها ترجع إليه لتُلْحَق بأبنية الأسماء الأصولِ، فلذلك زدت على ألفِ "با" و"تا" ونحوِهما ألفًا أخرى، كما فعلت العربُ في "لَوْ" لما أعربتها، فصار "باا" و"تاا" بألفَيْن ونحوهما. فلمّا التقى ألفان ساكنان، لم يكن بد من حذف أحدهما، أو تحريكِه، فلم يمكن الحذفُ؛ لأنّ فيه نقضًا للغرض بالعَوْد إلى القصر الذي هُرب منه، فوجب التحريكُ لالتقاء الساكنين، فحُرّكت الألف الثانية. وكانت الثانية أوْلى بالتغيير، لأنّك عندها ارتعدتَ، وهي مع ذلك طرفٌ، والأطرافُ أولى بالتغيير من الحَشو، فلمّا حرّكت الثانية، قلبتها همزة على حدّ قلبها في "كِساءٍ"، و"رِداءٍ"، و"حَمْراءَ"، و"بَيضاءَ"، ثم أعربوها, وقالوا:"خططتُ ياءً حسنةً". وقُضي على الألف التي هي عينٌ بأنّها من الواو، وعلى الثانية بأنّها من الياء، وإن لم تكونا في الحقيقة كذلك، فتصير الكلمةُ بعد تَكمِلَةِ صيغتها من بابِ "شَوَيْتُ"، و"طَوَيْتُ"؛ لأنّه أكثرُ من باب "الهُوَّة"، و"القُوَّة"، ومن باب "حَيِيتُ", و"عَيِيتُ".
فإن قيل: ففي القَضاء بذلك جمعٌ بين إعلالَين: إعلالِ العين واللام، وذلك لا يجوز، قيل: الضرورةُ دفعت إلى ذلك، وقد جاء من ذلك أشياء، قالوا:"ماءٌ"، فألفُه منقلبة عن ياء، وهمزتُه منقلبة عن هاء؛ لقولهم في التكسير:"أَمْواهٌ"، وفي التصغير:"مُوَيْهٌ"، وقالوا:"ماهت الرَّكِيَّةُ تَمُوهُ".
وقالوا:"شاءٌ" في قولِ من قال: "شُوَيهَةٌ"، وفي التكسير:"شِياهٌ"، فهو نظير "ماء"، ومن قال:"شَوِيٌّ" في التكسير، فهو من بابْ "طَوَيتُ"، و"لَوَيْتُ"، فصارت "شاء" في هذا القول كـ"حاء" و"باء". وإذا كان قد ورد عنهم شيءٌ من ذلك، جار أن يُحْمَل عليه باءٌ وياءٌ وطاءٌ وإخوانهنّ في إعلال عيناتها ولاماتها، ويصير تركيبُها ياءً وباءً ونحوهما بعد التسمية من "ي": "وي" ومن "ب": "وي"، ولو اشتققتَ على هذا من هذه الحروف بعد التسمية فعلاً على "فَعَّلْتُ"، لقلت من الياء:"يَوَّيتُ", ومن الباء "بَوَّيْتُ"، وكذلك سائرُها، كما تقوله:"طَوَّيْتُ", و"حَوَّيْتُ".
هذا هو القياس؛ وأمّا المسموعُ المحكى عنهم ما ذكرناه من قولهم في الباء:"يَيَّيْتُ"، وفي التاء:"تَيَّيْتُ"، وفي الحاء:"حَيَّيْتُ"، فهذا القولُ منهم يقضي بأنّه من باب "حَيِيتُ" و"عَيِيتُ". وكان الذي حملهم على ذلك سَماعَهم الإمالةَ في ألفاتهنّ قبل التسمية وبعدها، فاعرفُ ذلك.
وقوله:"ولم تقع الواو كذلك" يعني ليس في الكلام كلمةٌ حروفُ تركيبها كلُّها واواتٌ، كما كانت الياء كذلك في قولهم:"يَيَّيْتُ ياءً حسنةً". فأمّا "واوٌ"، فحمل أبو الحسن ألفَها على أنّها منقلبة من واو، فهي على ذلك مُوافقةٌ للياء في "يَيَّيْتُ"؛ لأنّ