للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالقود والقصوى عنده وعند الأخفش قياسٌ.

* * *

قال الشارح: قد تقدّم القول في أنّ مذهب سيبويه إذا كان عين الكلمة ياءً ساكنةً، وقبلها ضمّةٌ؛ فإنّه يبدل من الضمّة كسرةً لتصحّ الياء، يقول في نحو "فُعْلٍ" من البيع والبياض: "بِيعٌ"، و"بِيضٌ"، فيبدل من ضمّة العين كسرةً لتصحّ الياء وكان أبو الحسن الأخفش يخالفه في هذا الأصل، ويبدل من الياء الواوَ، ويقول في "مَفْعُلَةَ" من العَيْش: "معُوشَةٌ"، وفي نحو: "بِيضٍ" من البياض: "بُوضٌ"، ويقول في "بِيضٍ": إنّه فُعْلٌ، لكنّه جمعٌ، والجمعُ أثقل من الواحد، فأبدل من الضمّة كسرةً فيه لئلا يزداد ثِقَلًا، و"مَعِيشةٌ" عند سيبويه يجوز أنّ تكون "مَفْعِلَةَ"، و"مَفْعُلَةَ" فإذا كانت "مَفْعِلَة" نقلت حركة العين إلى الفاء لا غير، وإذا كانت "مَفْعُلَة" ففيه نَقْلٌ، وقَلْبٌ؛ نقلُ الضمّة إلى الفاء، وقلبُها كسرةً لتصحّ الياء، وعند الأخفش لا تكون إلاّ "مَفْعِلَة" بالكسر، إذ لو كانت "مَفْعُلَة" لقيل: "مَعُوشَةٌ". وقد خالف هذا الأصلَ في نحو: "مَعِيبٍ"، و"مَبِيع" فإن المحذوف عنده عين الكلمة, لأنّه أسبقُ الساكنين، والأصل فيه "مَبْيُوع"، فنُقلت الضمّة إلى الباء للإعلال، ثمّ أُبدل منها كسرةٌ لتصحّ الياء، ثم حُذفت الياء لالتقاء الساكنين، فوَلِيَت الواو كسرةَ الياء، فانقلبت الواو ياءً، فصار اللفظ وزنُه عنده "مَفِيل" وهذا يهدم ما أصّله.

ولو بنيت من البَيْع مثلَ "تُرْتُبٍ" لقلت على أصل سيبويه: "تُبِيعٌ"، كأنّك تقلب ضمّة الياء إلى ما قبلها، ثمّ أبدلتَ من الضمّة كسرةً لتصحّ الياء، وعلى قياس قول الأخفش لا تقول: إلّا "تُبُوعٌ" تبدل الياء واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها على حدّ قلبها في "مُوسِرٍ"، و"مُوقِنٍ" لأنه لا يُبْدَل من الضمّة كسرةٌ فيما كان واحدًا, ولولا قولُ العرب: "مَعِيبٌ"، و"مَبِيعٌ" لكان قياسُه صحيحًا شديدًا لكنّه أورد السماعُ ما أرغب عن قياسه؛ وأمّا قول الشاعر [من الطويل]:

وكنت إذا جارِي دَعَا لمَضُوفَةٍ ... أُشَمِّرُ حتى يَبلُغَ الساقَ مِئْزَرِي


= "دعا": فعل ماضٍ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو. "لمضوفة": جار ومجرور متعلّقان بـ "دعام. "أشمّر": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنا. "حتى": حرف جرّ. "يبلغ": فعل مضارع منصوب بـ "أنْ" مضمرة. "الساق": مفعول به منصوب. "مئزري": فاعل مرفوع، وهو مضاف، والياء ضمير متصل مبني في محلّ جرّ مضاف إليه، والمصدو المؤوّل من "أن يبلغ" في محلّ جرّ بحرف الجر، والجارّ والمجرور متعلقان بـ "أشمّر".
وجملة "كنت ... ": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "إذا جارى ... ": اعتراضيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "دعا جاري": في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة "دعا لمضوفة": تفسيريّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "أشمّر": في محلّ نصب خبر "كان".
والشاهد فيه قوله: "لمضوفة" والقياس فيه: "لمضيفة"، وهو عند سيبويه شاذّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>