للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمّا كان بينهما من المماثَلة والمقارَبة ما ذُكر، وإن تَباعد مَخْرجاهما، قلبوا الواو ياءً، وادّغموها في الثانية, ليكون العملُ من وجه واحد, ويتجانس الأصواتُ. واشتُرط سكونُ الأوّل, لأنّ من شرط الادّغام سكونَ الأول, لأنه إذا كان الأوّل متحرّكًا، فصل الحركة بين الحرفين.

وإنّما جُعل الانقلابُ إلى الياء لوجهين: أحدهما: أنّ الياء من حروف الفم، والادّغامُ في حروف الفم أكثرُ منه في حروف الطَرَفَيْن. الثاني: أنّ الياء أخف من الواو، فهربوا إليها لخفّتها، فقالوا: "سَيِّدٌ"، و"مَيِّتٌ"، و"جَيّدٌ"، والأصلُ: "سَيْوِدٌ", لأنّه من "ساد يسود"، و"الموت" و"الجودة".

فإن قيل: اجتماعُ المتقاربَيْن ممّا يُسوِّغ الادّغامَ من نحو قولك: "قد سَّمع اللهُ"، و"وَدٌّ" في "وَتْدٌ"، فما بالُكم أَوْجَبْتموه في "سيّد"، و"ميّت"، قيل عنه جَوابان: أحدهما أنّ الواو والياء ليس تناسبُهما من جهة القرب في المخرج، لكن من وصفٍ فيهما أنفسِهما، وهو المدُّ، وسعةُ المخرج، فجريا لذلك مجرى المِثْلَيْن، والثاني: أنّه اجتمع فيهما المقاربةُ، كمقاربة الدال والسين والتاء والدال، وثِقَلُ اجتماع الواو والياء، وليس في اجتماع المتقاربين من الصحيح ذلك الثقلُ، فافترق حالاهما لاجتماع سببَيْن يجوز بانفراد كلّ واحد منهما الحكمُ، فلمّا اجتمعا لزم.

وقد اختلف العلماء في وزن "سَيِّدٍ" و"مَيِّتٍ" ونحوِهما، فذهب المحقّقون من أهل البصرة" إلى أنّ أصله "سَيْوِدٌ" و"مَيْوِتٌ" على زنة "فَيْعِلٍ" بكسر العين, وأنّ ذلك بناءٌ اختصّ به المعتلُّ كاختصاص جمع "فاعِلٍ" منه بـ "فُعَلَةَ"، كـ"قُضاةٍ"، و"رُماةٍ", و"غُزاةٍ"، و"دُعاةٍ" في جمع "قاضٍ"، و"رامٍ"، و"غازٍ"، و"داعٍ"، واختصاصِه أيضًا بـ "فَعْلُولَةَ نحو: "كَيْنُونَةٍ"، و"قَيْدُودَةٍ والأصل: "كَوْنُونَةٌ"، و"قَوْدُودَةٌ".

وذهب البغداديون إلى أنّه "فَيْعَلٌ" بفتح العين، ئقل إلى "فَيْعِل" بكسرها، قالوا: وذلك لأنّا لم نَرَ في الصحيح ما هو على "فَيْعِل" إنّما هو "فَيْعَل"، كـ"صَيْقَمٍ"، و"صَيْرَفٍ". وهذا لا يلزم, لأنّ المعتل قد يأتي فيه ما لا يأتي في الصحيح, لأنّه نوعٌ على انفراده، ولو أرادوا بـ "ميّت" "فَيْعَل" بالفتح، لقالوا: "مَيِّتٌ" بالفتح، كما قالوا: "هَيَّبانٌ"، و"تَيَّحانٌ" حين أرادوا "فَيْعَلان". وقال بعضهم [من الرجز]:

١٣٤٤ - ما بالُ عَيْني كالشَّعِيب العَيَّنِ


١٣٤٤ - التخريج: الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٦٠؛ وأدب الكاتب ص ٥٩٨؛ وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٤٢٦؛ وشرح شواهد الشافية ص ٦١؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢/ ٤٨٥؛ وشرح شافية ابن الحاجب ١/ ١٥٠، ٢/ ١٧٦؛ والكتاب ٤/ ٣٦٦؛ ولسان العرب ١٣/ ٣٠٤ (عين)؛ والمنصف ٢/ ١٦.
اللغة: ما بال عيني: ما حالها وما شأنها. الشَّعِيب: المزادة الصغيرة. العَيَّن: المتخرقة التي فيها =

<<  <  ج: ص:  >  >>