للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والهمزةُ قريبة من الألف، فصار كأنّك قد جمعت بين ثلاث ألفات، فأبدلوا من الهمزة ياءً، فصار "خَطايَا"، و"رَزايَا".

ولا يعتمدون ذلك إلَّا فيما كانت همزته عارضة في الجمع؛ فأمّا إذا كانت الهمزة موجودة في الواحد عينّا، فإنّها تبقى على أصلها، فتقول في جمع "جائِيَةٍ" اسم فاعل من "جَأَى" عليه "جَأْيًا" أي: عَضَّ، و"شائِيَةٍ" من "شَآه" إذا سبقه: "جَوآءٍ"، و"شَوآءٍ" كما تقول: "غَواشٍ"، و"جَوارٍ"، فرقًا بين ما همزتُه أصليّةٌ ثابتةٌ في الواحد، وبين العارضة.

هذا مذهبُ أكثر النحويين؛ فأمّا الخليل فإنّه كان يذهب إلى أنّ "خَطايَا" و"رَزايَا" وما كان نحوهما قد قُلبت لامه التي هي همزة إلى موضع ياء "فَعِيلَةَ"، فكانت في التقدير "خطايئ" بياء قبل الهمزة، ثمّ تقلب إلى "خطاءٍ"، ثمّ أبدل من الكسرة فتحةٌ، وعُمل فيه ما عمله عامّةُ النحويين.

والقولُ هو الأوّل؛ لأنّه قد حُكي عنهم: "غفر الله خَطائِئَهُ" بهمزتين. وحكى أبو زيد: "دَرِيئَةٌ"، و"دَرائِىءُ" بهمزتين، كما ذهب إليه الجماعةُ غير الخليل، فقالوا: "شَوايَا"، و"حَوايَا" في جمع "شاوِيَةٍ" و"حاوِيَةٍ"، فالواو فيهما وإن كانت عينًا غيرَ مدّة تقبل الحركة بخلاف ما تقدّم، وذلك أنّك لمّا جمعته، قلبتَ ألفه واوًا على حدّ قلبها في "ضَوارِبَ"، و"قَوائِمَ"، ووقعت ألفُ الجمع بعدها، فاكتنفت الألفَ واوان، إحداهما المنقلبةُ عن الألف، والأخرى عين الجمع، فقُلبت الثانية همزة، لوقوعها بعد ألف زائدة قريبةِ من الطرف على حدّ صنيعهم في "أوائِلَ"، فصار "حَوائيُ"، و"شَوائيُ"، ثمّ أبدلوا من كسرة الهمزة فتحةً، فصار تقديره: "شَواءا"، و"حَواءا"، فأبدلوا من الهمزة ياءً، وقالوا: "شَوايَا"، و"حَوايَا"، فاعرفه.

وقالوا: "هَدِيّةٌ"، و"هَداوَى"، و"مَطِيّةٌ"، و"مَطاوَى"، و"شَهِيّةٌ"، و"شَهاوَى" بالواو، وهو شاذّ، والقياسُ الجيّدُ: هَدايَا، ومَطايَا، وشَهايَا.

وأمّا "إداوَة"، و"أداوى"، و"عِلاوَة"، و"عَلاوَى"، و"هِراوَة"، و"هَراوَى"، ونحوها ممّا الواو في واحده ظاهرةٌ، نحو: "شَقاوَةٍ"، و"غَباوةٍ"، فإنّك إذا جمعتَه على هذا الحدّ، فإنّك تزيد ألفَ الجمع ثالثة، فتقع الألفُ بعدها التي كانت في الواحد , وهو موضعٌ يُكسر فيه الحرف، فتُقلب حينئذ همزة مكسورة، فتصير في هذه الصورة "أدائو" بمنزلة "أداعِوُ"، فتقلب الواو ياءً لانكسار ما قبلها، فتصير "أَدائيُ"، ثمّ عُمل فيها ما عُمل في "خطائيُ" من تغيير الحركة والقلب. ثمّ إنّهم راعوا في الجمع حكمَ الواحد، فأرادوا أن يظهر الواو في التكسير كما كانت ظَاهرة في الواحد، فلم يُمْكِنهم ذلك، فأبدلوا من الهمزة الواو، فإذا ليست هذه الواو الواوَ التي كانت في الواحد، إنّما هي بدلٌ من الهمزة المبدلة من ألِف "إداوَة"، والألفُ بدلٌ من ياءٍ هي مبدلة من واوِ "إداوة". ووزنُ "أداوَى" على هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>