للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} (١) كلُّه من صلةِ "الذين" وهو في موضع اسم مرفوع بالابتداء، وقولُه: {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} (٢) في موضعِ الخبر، وكذلك قولُه: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (٣)، فقولُه: {فَمِنَ اللَّهِ} الخبر.

وإنّما اشترطنا لدخولِ الفاء أن يكون شائعًا غيرَ مخصوص، وأن تكون صلتُه فعلاً أو جارًّا ومجرورًا, لأنّه إذا كان كذلك، كان فيه معنى الشرط والجزاءِ، فدخلتْ فيه الفاءُ كما تدخل في الشرط المَحْضِ، وذلك أنه إذا كان شائعًا، كان مُبْهَمًا غيرَ مخصوص، وبابُ الشرط مبنيٌّ على الإبهام، فإن جعلتَه لواحد مخصوص، نحوَ: "زيدٌ الذي أتاني فله درهمٌ"، لم يجز دخولُ الفاء في خبره لبُعْده عن الشرط والجزاءِ، ألا ترى أنّك تقول: "من يخرجْ فله درهمٌ"، فيكون مُبْهَمًا غرِ مخصوص، فكذلك إذا قلت: "الذي يأتيني فله درهم" لا بد أن يكون شائعًا لا لمخصوص.

فإن قيل: فأنتَ تقول: "إن أتاني زيدٌ فله درهمٌ"، فيكون الأوّلُ مخصوصًا، فهلّا جاز ذلك في "الَّذِي" إذا أردتَ به مخصوصًا. فالجوابُ أن الشرط لا بدَّ فيه من إبهام. فأنت إذا قلت: "من يأتِني فله درهم"، فالإبهامُ واقعٌ في الفعل والفاعلِ معًا، ألَّا ترى أنّ الفعل مبهمٌ يحتمل أن يوجَد، وأن لا يوجَد، والفاعلُ مبهم يعود إلى "مَنْ". وإذا قلت: "إن أتاني زيدٌ فله كذا" فالفاعلُ، وإن كان مخصوصًا، فالفعلُ مبهمٌ، وأنت إذا قلت: "الذي يأتيني" وأردتَ به مخصوصًا، لم يكن فيه إبهامٌ ألبتّةَ, لأنّ الموصول مخصوصٌ، والفعلَ مبنىٌّ على تيقُّنِ وجوده، فخَلَا من إبهام ألبتة، ففَارَقَ الشرطَ. وإنما اشتُرط وَصْله بالفعل, لأنّ الشرط لا يكون إلا بالفعل ألبتّةَ. فلو قلت: "الذي أبوه قائمٌ له درهم" لم يجز دخولُ الفاء في الخبر ها هنا لعدمِ مشابَهةِ الشرط.

وأمّا إذا وُصل الموصول بظرفٍ أو جارٍّ ومجرورٍ، فإنّه- وإن لم تكن صلتُه فعلاً ملفوظًا- به فإنّه مقدَّرٌ حُكْمًا. فإذا قلت: "الذي في الدار، أو عندك" فكأنك قلت: "الذي استقرّ، أو وُجد" أو نحوَ ذلك، فإذا وُجدت هذه الشرائطُ في الموصول، جاز دخولُ الفاء في خبره.

فإن قيل: فما الفرقُ بين الخبر عن الموصول إذا كان فيه الفاءُ، وبينه إذا لم يكن؟ قيل: إذا كان الخبرُ عن الموصول بالفاء آذن ذلك بأنّ الخبر مستحَقٌّ بالفعل الأوّلِ، ألا ترى أنك إذا قلت: "الذي يأتيني فله درهم" آذن ذلك بأنّ الدرهم مستحقٌّ له بإتْيانه، لأنّ الفاء للتعقيب، والمسبَّبُ يُوجَد عقيَب السبب، وإذا قلت: "الذي يأتيني له درهم" يدلّ على استحقاقِ الدرهم من غيرِ أن يدلّ على أنّه بالإتيان.


(١) البقرة: ٢٧٤.
(٢) البقرة: ٢٧٤.
(٣) النحل:٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>