للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشاهد فيه قوله: "اذدراء"، بإظهار التضعيف، وهو "افتعال" من "ذَرَتْه الريحُ تَذْرُوه" وهو مصدر جرى على غير فعله على حدٍّ {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} (١). فإن قيل: فلِمَ ساغ "ازْدانَ، فهو مُزدانٌ"، ولم يقولوا: "اذدكر، فهو مذدكر" إلّا على ندرة وقلّة؟ قيل: لأنّ الدال والذال كلّ واحد منهما يدغم في صاحبه، فإذا اجتمعا في كلمة، لزم الادغامُ. وليس كذلك مع الزاي، فإنّها لا تدغم مع الدال لما فيها من الصفير، فجاز لذلك الإظهار والادغام في الزاي، فيقال: "مُزْدانٌ"، و"مُزّانٌ"، فلذلك قال: ومع الزاى تبيّن وتدّغم، ومع الثاء تدغم لا غير، بقلب كل واحدة منهما إلى صاحبتها، تقول: "مُثَّرد"، و"متّرد"، ولا يجوز الإظهار على ما ذكرنا في "مذدكرٌ". ومثله "اتأر"، و"اثّأر".

ومع السين تبيّن وتدّغم بقلب التاء سينًا، فيقال: "مستمع"، و"مُسَّمِعٌ". فالبيانُ لاختلاف المخرجين، وهو عربيّ جيّد، قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} (٢). والادغامُ جائز للتقارب في المخرج، واتّحادهما في الهمس، فقرأ بعضهم (٣): {من يَسَّمع}. ولا يجوز إدغامُ السين في التاء؛ لئلّا يذهب صفيرُها على ما ذكرنا في الزاي، فاعرفه.

* * *

قال صاحب الكتاب: وقد شبّهوا تاء الضمير بتاء الافتعال، فقالوا: "خَبَطُّه". قال [من الطويل]:

وفي كلِّ حَيٍّ قَدْ خَبَطَّ بنِعْمَةٍ ... [فحُقَّ لِشأس مِنْ نَداك ذَنُوبُ] (٤)

و"فُزْدُ"، و"حُصْطُ عينَه"، و"عُدُّه"، و"نَقَدُّه". يريدون: خَبطتُ، وفُزتُ، وحُصْتُ، وعُدْتُ، ونَقَدْتُ. قال سيبويه (٥): وأَعْرَبُ اللغتين وأَجْوَدُهما أن لا تُقلَب.

* * *

قال الشارح: اعلم أنّه قد شبه بعضُ العرب ممن تُرْضَى عربيّته تاء الضمير، إذا وقع قبلها أحدُ هذه الحروف الصاد والضاد والطاء والظاء، بتاء الافتعال, لأن التاء لما اتصلت بما قبلها من الفعل، ولم يمكن فصلُها من الفعل، صارت ككلمة واحدة، فأشبهت تاء "افْتَعَل"، وأُسْكِنت كما أسكنت التاء في "افْتَعَل"، وذلك قولك: "حُصْطُ عَيْنَ البازي". يريد: "حُصْتُ"، و"خَبَطُّهُ" يريد:"خبطته"، و"حَفِطُّ" يريد: "حفظت". وقد أنشدوا لعَلْقَمَة [من الطويل]:

وفي كلّ حَيّ قد خَبَطَّ بنِعْمَهٍ ... فَحُقَّ لشَأْسٍ من نَداكَ ذنُوبُ (٦)


(١) آل عمران: ٣٧.
(٢) الأنعام: ٢٥؛ ومحمد: ١٦.
(٣) لم أقع على هذه القراءة في معجم القراءات القرآنية.
(٤) تقدم بالرقم ٧٥١.
(٥) الكتاب ٤/ ٤٧٢.
(٦) تقدم بالرقم ٧٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>