للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا عِشْنَا، وإن لنا مرتحلًا إلى الآخرة، وأراد بالسفر المسافرين من الدنيا إلى الآخرة، فيقول: في رحيلِ مَن رَحَل ومَضَى مَهَلٌ، أي لا يرجِع، وقيل: إن في السفر يريد: مَن قَدَّمَ لآخِرته فَازَ وظَفِرَ. والمَهَلُ: السَّبْقُ. فهذا كله عند سيبويه على حذفِ الخبر كنَحْوِ ما تقدّم تقديرهُ. ولا يرى الكوفيون حذفَ الخبر إلَّا مع النكرة، والبصريون يرونه مع المعرفة والنكرة. وكان الفرّاءُ يذهب إلى أنّه إنّما يُحْذَف مثلُ هذا إذا كُرّرتْ "إنَّ"، لِيُعْلَم أنّ أحدهما مخالفٌ للآخَر عند من يظُنَّه غيرَ مخالف، وحُكي أن أعرابيًّا قيل له: "الزّبابةُ الفَأْرَةُ"، قال: "إنّ الزبابةَ، وإنّ الفأرةَ"، ومعناه: إن هذه مخالفةٌ لهذه. والخِلافُ الذي بين الاسمَيْن يدل على الخبر، والفائدة أن "المحلّ" خلافُ "المرتحل"، وهو قول غيرُ مَرْضي عند أصحابنا، فإنّه قد ورد في الواحد الذي لا مُخالِفَ معه. قال الأخْطَل [من الطويل]:

١٤٨ - خَلَا أن حَيًّا من قُرَيْشٍ تَفضَلوا ... على الناس أو أن الأكارِمَ نَهْشَلَا

وقالوا: "إنّ غيرَها إبِلًا وشاءً". فقولهم: "غيرها" اسمُ "إنَّ" والخبرُ مضمرٌ على النَّحْو الذي ذكرناه، كأنّه قال: إن لنا غيرَها، أو عندنا غيرها، وانتصب "إبلًا" و"شاءً" على التمييز. ويجوز أن يكون، "إبلًا" و"شاءً" اسمَ "إنَّ" و"غَيْرَهَا" حالًا. وقد نَصَّ سيبويه (١) على أن الإبل والشاء انتصابُهما انتصابُ "الفارس" إذا قلت: "ما في الناس مثلُه فارسًا" كأنه يقّدره بالمشتق أي ماشية، ولا يحسن أن يكون عطفَ بَيانٍ, لأن عطفَ البيان لا يكون إلا في المَعارف، ومنه قولُ رؤْبَةَ [من الرجز]:

يا ليت أيّامَ الصِّبا رَواجِعا


١٤٨ - التخريج: البيت للأخطل في خزانة الأدب ١٠/ ٤٥٣، ٤٥٤، ٤٦١، ٤٦٢؛ ولسان العرب ١١/ ٦٨٢ (نهشل)؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢/ ٣٧٤؛ والمقرب ١/ ١٠٩.
اللغة: الحي: القبيلة. تفضَّلوا: رجحوا على الناس بالفضل والمزية.
المعنى: يريد أن حَيّا من قبيلة قريش، ونهشلًا فاقوا الناس في الفضل، والكرم.
الإعراب: "خلا": فعل ماضٍ جامد، فاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره: هو، ويرى بعضهم أنَّه لا فاعل له, لأنه بمعنى حرف الاستثناء "إلا". "أنّ": حرف مشبه بالفعل."حَيًّا": اسم "أن" منصوب. "من قريش": جار ومجرور متعلّقان بصفة لـ"حيًّا". "تفضَّلوا": فعل ماضٍ، والواو: فاعل، والألف: للتفريق. "على الناس": جار ومجرور متعلّقان بـ "تفضلوا". "أو": حرف عطف بمعنى الواو. "أَنَّ": حرف مشبه بالفعل. "الأكارم": اسم "أنَّ" منصوب. "نهشلًا": بدل من "الأكارم"، وخبر "أنّ" الثانية محذوف لدلالة خبر الأولى عليه، والمصدر المؤول من "أن" الأولى ومعموليها مفعول به للفعل "خلا"، وعطف عليه المصدر المؤول من "أنّ" الثانية ومعموليها.
جملة "تفضَّلوا": خبر "أن" محلها الرفع. وجملة "خلا" استئنافيّة لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "خلا أتى حيًّا ... تفضلوا ... أو أنّ الأكارم نهشلًا" حيث حذف خبر "أنّ".
(١) الكتاب ٢/ ١٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>