للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا عرقوبٌ وعد وَعْدًا، فأخلفَ، فضُربَ به المَثَلُ، وذلك أنّه أتاه أخٌ له يسأله شيئًا، فقال عرقوبٌ: "إذا أَطْلَعَ نَخْلي". فلمّا أطلع قال: "إذا أَبْلَحَ". فلمّا أبلح قال: "إذا ازْهَى". فلمّا أزهى قال: "إذا أَرْطَبَ". فلمّا أرطب، قال: "إذا صار تَمْرًا". فلمّا صار تمرًا أخذه من الليل ولم يُعْطِه شيئًا. أنكرَ أبو عُبَيْد "يثرب" لأنّ عرقوبًا رجلٌ من العَمالِيق، وكانوا بالبُعْد من "يثرب" مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإنّما هي يَتْرَبُ بتاءٍ مُعْجَمة ثِنْتَيْن من فوقها، وراءٍ مفتوحة، وهي موضعٌ قريبٌ من اليَمامة.

ومن ذلك قولهم: "غَضَبَ الخَيْلِ على اللُّجُم" وذلك مَثَلٌ يُضْرَب لِمَن يغضَب على من لا يُرْضِيه. والمراد: غضِبتَ غَضَبَ الخيل على اللجم. ويجوز أن يكون المرادُ شِدّة الغضب، فنُصب المصدر بالفعل المحذوف، ومن العرب من يرفع هذا كلَّه، فيقول للقادم من سَفَره: "خيرُ مَقْدَمٍ"، أي: قُدومُك خير مقدم، فيكون "خيرُ مقدم" خبرَ مبتدأ محذوف، وكذلك "مواعيدُ عرقوب" أي: عِداتُك مواعيدُ عرقوب. ومثله "غضبُ الخيل على اللجم"، أي: غضبُك غضبُ الخيل على اللجم؛ وأمّا قولهم: "أَوَ فَرَقًا خيرًا من حُبّ" فتكلَّم بذلك رجلٌ عند الحجّاج، وذلك أنّه كان قد صنع عملًا، فاستجاده، فقال الحجّاج: "أكُلُّ هذا حُبًّا"؟ فقال الرجلُ مُجِيبًا: "أوفرقًا خيرًا من حبّ"؟ أي فعلتُ هذا لأنّي أَفْرَقُك فَرَقًا خيرًا من حبّ، فهو أنبلُ لك، وأجلُّ. ولو رفع لجاز، كأنّه قال: أَوَ أَمْرِي فَرَقٌ خيرٌ من حبّ. فهذا النوع أنتَ مخيَّر فيه بين إظهار العامل وحذفه، فإن أظهرتَه فزِيادةٌ في البيان، وإن حذفتَه فثِقَةَ بدليل الحال عليه.

قال صاحب الكتاب: "والنوع الثاني قولك: "سقيًا ورعيًا, وخيبة, وجدعًا,


= الإعراب: "وعدت": فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل. "وكان": الواو: حرف عطف، "كان": فعل ماضٍ ناقص. "الخلف": اسم "كان" مرفوع بالضمّة. "منك": حرف جرّ، والكاف ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بحرف الجرّ، والجار والمجرور متعلّقان بالخلف. "سجية": خبر "كان" منصوب بالفتحة. "مواعيد": مفعول مطلق منصوب بالفتحة، وهو مضاف. "عرقوب": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "أخاه": مفعول به لـ"مواعيد" منصوب بالألف لأنّه من الأسماء الستّة، وهو مضاف، والهاء ضمير متّصل مبني في محلّ جرّ بالإضافة. "بيترب": الباء حرف جرّ، "يترب": اسم مجرور بالفتحة لأنّه ممنوع من الصرف للعلميّة والتأنيث ووزن الفعل، وحرّك بالكسر مراعاة للرويّ، والجار والمجرور متعلّقان بـ"مواعيد".
وجملة "وعدت": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "وكان الخلف منك سجيَّة" استئنافية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "وعدت مواعيد عرقوب أخاه" حيث أعمل المصدر المجموع "مواعيد" مضافًا إلى فاعله "عرقوب" وناصبًا المفعول به "أخاه"، وهذا دليل على أنّ المصدر المجموع يجوز أن يعمل كما لو كان مفردًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>