للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُقال: "بَهْرًا لفُلان" إذا دُعي عليه بسُوءٍ، كأنّه قال: "تَعْسًا له". ولا أعلمُ أحدًا تَعرَّض لتفسيرِ ذلك إلَّا سيبويه (١). وتفسيرُ "دفرًا" "نتنًا" أيضًا. والدَّفْرُ: النَّتْنُ، ولذلك سُميت الدُّنْيا "أُمَّ دَفارِ"، ولم يُستعمل منه فعلٌ.

وأمّا قولهم: "وَيْحَك"، و"وَيْسَك"، وَ "وَيْلَك"، وَ "وَيْبَك"، فهي من المصادر التي لا أفعالَ لها، كأنّهم كرِهوا أن يبنوا منها فعلًا لاعتلالِ عينها وفائها، لِما يلزَم من الثِّقَل في تصريِف فعلها لو استُعمل، فاطُّرح لذلك، وأجروها مُجْرَى المصادر المفردة المدعوِّ بها، وجعلوا الإضافةَ فيها بمنزلةِ اللام في قولهم: "سَقْيًا لك"؛ لانّه لولا اللامُ في "سقيًا لك"، لَمَا عُلم مَن يُعْنَى. وكذلك لولا الإضافةُ في هذه المصادر، لم يعلم المكلَّمُ مَن يُعنَى، والإضافةُ فيها مسموعةٌ، ولا يجوز القياسُ عليها، فلا يجوز أن تقول: "سَقْيَكَ" قياسًا على "وَيْحَكَ", لأنّ العرب لم تَدْعُ به، وإنّما وجب اتّباعُ العرب فيما استعملوه ههنا، ولم يُجاوِزوه, لأنّها أشياءُ قد حُذف منها الفعلُ، وجُعلتْ بدلًا من اللفظ به على مذهب أرادوه من الدّعاء، فلا يجوز تجاوُزُه, لأن الإضمار والحذف اللازمَ، وإقامةَ المصادر مُقامَ الأفعال حتّى لا تظهر الأفعالُ معها، ليس بقياسٍ مستمِرِّ، فتُجاوِزَ فيه الموضعَ الذي لزِموه، فقد شَبَّهَ سيبويه (٢) هذا الموضعَ بقولهم: "عددتُك"، و"عددتُ لك"، و"وزنتُك"، و"وزنتُ لك"، و"كِلْتُك"، و"كِلْتُ لك". لا تُتجاوز هذه الأفعالُ، فلا يُقال: "وهبتُك" في معنَى "وهبتُ لك".

واعلم أن مذهبَ سيبويه والبصريين أجمعين أنّ أصلها "وَيْحٌ"، و"وَيْلٌ" و"وَيْسٌ"، و"وَيْبٌ"، دخلتْ عليها كافُ الخِطاب. وقال الفرّاء: أصلُها كلُّها "وَيْ"، فأمّا "ويلك" فهىِ "وَيْ" عنده زيدت عليها لامُ الجرّ، فإذا كان بعدها مضمرٌ كانت اللامُ مفتوحةً، كقولك: "وَيْلَكَ"، وَ "وَيْلَهُ" وإن كان بعدها ظاهرٌ، جاز فتحُ اللام وكسرُها، ففتحُ اللام مع الظاهر لغةٌ، وهو الأصلح فيها، والكسرُ على قياس الاستعمال. وأنشد [من الكامل]:

١٧٢ - يا زِبْرِقانُ أخَا بَنِي خَلَفٍ ... ما أنتَ وَيْلِ أبِيك والفَخْرُ


= "بهرني بهرًا": في محل نصب صفة أولى للمفعول المطلق المحذوف (أحبها حبًا). وجملة "أحبها حبًا": المحذوفة مقول القول محلها النصب.
والشاهد فيه قوله: "قلت: بهرًا" حيث استعمل المصدر "بهرًا" بمعى "عجبًا".
(١) الكتاب ١/ ٣٥٤.
(٢) الكتاب ١/ ٣١٨.
١٧٢ - التخريج: البيت للمخبل السعدي في ديوانه ص ٢٩٣؛ وخزانة الأدب ٦/ ٩١، ٩٢، ٩٥؛ والدرر ٦/ ١٦٧؛ وشرح أبيات سيبويه ١/ ٢١١، ٣٦٢؛ ولسان العرب ١١/ ٧٤٠ (ويل)؛ وخزانة الأدب ٤/ =

<<  <  ج: ص:  >  >>