للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"فاها" منصوبٌ بمنزلةِ "تُرْبًا" و"جندلاً"، كأنّك قلت: "تربًا لِفِيك". وإنّما يخُصّون الفَمَ بذلك, لأنّ أكثرَ المَتالِف فيما يأكُله الإنسانُ ويشرَبه. وصار "فاها" بدلاً من اللفظ بقولك: "دَهاك اللهُ". وإنّما قلنا بدلاً من هذا اللفظ تقريبًا, لأنّه فَم الداهية في التقدير، فقُدّر الفعلُ المتصرِّفُ من الداهية، وليس القصدُ إلَّا تقديرَ فعلٍ ناصبٍ، ليس شيئًا معيَّناً لا يُتجاوز، وإنّما يُقْصَد ما يُلائم المعنى، ويُقارِب اللفظَ.

وقالوا: "هَنِيئًا مَرِيئًا"، وهما صفتان. تقول: "هذا شيءٌ هنيءٌ مريءٌ"، كما تقول: "هذا رجلٌ جَمِيلٌ صَبِيحٌ"، ونحوَهما ممّا هو على فَعِيل من الصفات. ولم يأتِ من الصفات ما يُدْعَى به إلَّا هذان الحرفان، وليسا بمصدرَيْن، إنّما هما من أسماءِ الجواهر كالتراب والجندل وانتصابُهما بفعل مقدَّر تقديرُه: ثَبَتَ لك ذلك هنيئًا مريئًا، فتكون حقيقةُ نَصْبه على الحال، وذلك تقوله لشيء تراه عنده ممّا يأكل أو يستمتِع به على سبيلِ الدُّعاء بلفظِ الخبر، كما تقول: "رَحِمَهُ اللهُ"، ثمّ حُذف الفعل وجُعل بدلاً من اللفظ بقولهم: "يَهْنَأُكَ"، يدلّ على ذلك أنّه يظهر "يهنأك" في الشعر على سبيلِ الدعاء، قال الأخْطَل [من البسيط]:

١٧٧ - إلى إمامٍ تُغادِينا فَواضِلُه ... أظْفَرَهُ الله فَلْيَهْنِىءْ له الظَّفَرُ


= أي أن "فا" اسم "لا" مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، وذلك على لغة من قال: جاء أباك. "لها": جار ومجرور متعلقان بخبر "لا" المرفوع المحذوف.
وجملة "وداهيةٍ ترهبها": ابتدائية لا محلّ لها. وجمالة "يحسبها": في محلّ رفع خبر لـ"داهية". وجملة "لا فا لها": في محل رفع، أو جرّ صفة لـ"داهية".
والشاهد فيه قوله: "وداهية ... لا فا لها" حيث جعل للداهية فما.
١٧٧ - التخريج: البيت للأخطل في ديوانه ص ١٦٧؛ وشرح أبيات سيبويه ١/ ١٧٢؛ ولسان العرب ١/ ١٨٥ (هنأ).
اللغة: الإمام: عبد الملك بن مروان. تُغادينا: تباكرنا. والفواضل: العطايا. أظفره الله: أراد أظفره بقيس بن عيلان.
المعنى: لقد عُجْنا ركابنا إلى عبد الملك بن مروان الذي لا نُحرم عطاياه، والذي ندعو الله أن يُظْفِره بعدوه.
الإعراب: "إلى إمام": جار ومجرور متعلقان بالفعل "عجنا" المذكور في البيت الذي قبل البيت الشاهد من قصيدته. "تغادينا": فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل، و"نا": في محل نصب مفعول به. "فواضله": فاعل مرفوع بالضمة، والهاء: في محل جر بالإضافة. "أظفره": فعل ماضٍ مبني على الفتح، والهاء: في محل نصب مفعول به. "الله": فاعل مرفوع بالضمة. "فليهنىء": الفاء: استئنافية، واللام: لام الأمر، و"يهنىء": فعل مضارع مجزوم بلام الأمر. "له": جار ومجرور متعلقان بـ"يَهْنىء". "الظَّفَرُ": فاعل مرفوع بالضمة.
وجملة "تغادينا فَواضِله": صفة لـ"إمام" محلها الجر. وجملة "أظفره الله": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ليهْنىء": استئنافية لا محل لها من الإعراب. =

<<  <  ج: ص:  >  >>