للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليس بإخبار، وإنّما هو نفسُ التصويت بالمنادى، ثمّ يقع الإخبارُ عنه فيما بعدُ، فتقول: "نادَيْتُ زيدًا".

وكان أبو العبّاس المبرّدُ يقول الناصبُ نفسُ "يا" لنيابتها عن الفعل، قال: "ولذلك جازت إمالتُها".

وكان أبو عليّ يذهب في بعض كلامه إلى أنّ "يا" ليس بحرف، وإنما هو اسمٌ من أسماء الفعل. والمذهبُ الأول، فالمنصوب في اللفظ على ثلاثة أضرب: مضافٌ، ومشابةٌ للمضاف، ونكرةٌ؛ فأمّا المضاف فهو منصوبٌ على أصلِ النداء الذي يجب فيه النصبُ كما بَيَّنَّا، المعرفةُ والنكرةُ في ذلك سواءٌ، فتقول في المعرفة: "يا عبدَ الله أقْبِلْ، ويا غلامَ زيد افْعَلْ"، وتقول في النكرة "يا عبدَ امرْأةٍ تَعالَ، ويا رجلَ سَوْءٍ تُبْ".

وأمّا المضارع للمضاف، فحكمُه النصبُ أيضًا كما كان المضافُ كذلك، وذلك قولُك: "يا خيرًا من زيد"، و"يا ضاربًا زيدًا"، و"يا مضروبًا غلامُه"، و"يا حَسَنًا وَجْهَ الأخ"، و"يا ثلاثةً وثلاثين" كلُّه منصوبٌ لما ذكرناه من شَبَهِ المضاف، ووجهُ الشبه بينهما من ثلاثةِ أَوْجُه:

أحدُها: أن الأوّل عاملٌ في الثاني، كما كان المضافُ عاملاً في المضاف إليه.

فإن قيل: المضافُ عاملٌ في المضاف إليه الجرَّ، وهذا عاملٌ نَصْبًا، أو رَفْعًا، فقد اختلفا؛ قيل: الشيءُ إذا أشبهَ الشيءَ من جهةٍ، فلا بد أن يُفارِقه من جهاتٍ أخرى، ولولا تلك المفارقةُ، لكان إياه، فلم تكن المفارقةُ قادِحة في الشَّبَه.

الوجه الثاني: من المشابهة أنّ الاسم الأول مختصٌّ بالثاني، كما أنّ المضاف يتخصص بالمضاف إليه، ألا ترى أنّ قولنا: "يا ضاربًا رجلًا" أخصُّ من قولنا: "يا ضاربًا".

الثالث: أنّ الاسم الثاني من تَمامِ الأوّل، كما أنّ المضاف إليه من تمام المضاف، ألا ترى أن الجارّ والمجرور في قولك: "يا خيرًا من زيد" من صلةِ "خير"، وإذا كان من صلته ومتعلِّقًا به، كان من تمامه. وكذلك "يا ضاربًا زيدًا" فـ "زيدٌ" منصوبٌ بـ "ضاربٍ"، فهو من تمامه، وكذلك "يا مضروبًا غلامُه"، فالغلامُ مرتفعٌ باسم المفعول الذي هو"مضروبٌ". وكذلك "يا حسنًا وجهَ الأخ" نصبتَ "الوجه" على الشَّبَه بالمفعول، ولا يحسن رفعُه لأنّه يفتقر إلى عائدٍ.

فهذه كلُّها منصوبةٌ، سَواء جعلتَها أعلامًا، أو لم تجعلها. فإن جعلتها أعلامًا، نصبتها لشَبَهها بالمضاف، وإن جعلتها معرفةً بالقصد فهي منصوبةٌ لذلك، وإن كانت نكرةً، كانت منصوبةً كسائر النكرات.

والتنوين في جميع ذلك كحرفٍ من وسط الاسم، إذ كان ما بعده من تَمامه،

<<  <  ج: ص:  >  >>