للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ضَعْفٌ وخَوَرٌ، ولذلك كانت في الأكثر من كلام النِّسْوان لضَعفهنّ عن الاحتمال، وقلّةِ صَبْرهنّ، وجب أن لا يُنْدَب إلّا بأشْهَرِ أسماء المَندوب وأعْرَفِها، لكَيْ يعرفَه السامعون، فيكونَ عُذْرًا له عندهم، ويُعْلَمَ أنّه قد وقع في أمر عظيم، لا يُمْلَك التصبرُ عند مثله.

فلهذا المعنى لا تُنْدَب نكرةٌ (١)، ولا مبهمٌ، فلا يُقال: "وا رجلاهْ"، ولا "وا هذاهْ" لإبهامهما. ويستقبحون "وا مَن في الداراهْ" لعدمِ وُضوحه وإبهامِه، ولا يستقبحون: "وا مَن حَفَرَ بئْرَ زَمْزَماهْ", لأنه مَنْقَبَةٌ وفَضِيلةٌ صار ذلك عَلَمًا عليه، يُعْرَف به بعينِهِ، فجرى مَجْرَى الأَعلام، نحوِ: "وا عبدَ المُطَّلِباهْ". وذلك أنّ عبد المطلب هو الذي أظهرَ زَمْزَمَ بعدَ دُثورها من عَهْدِ إسماعيلَ عليه السَّلام، بأنْ أُتِيَ في المَنام، فأمر بحَفْرِ زمزمَ، فقال: وما زمزمُ؟ قال: لا تُنْزَف، ولا تُهْدَم، وتَسْقي الحَجِيجَ الأعظم، وهي بين الفَرْث والدم. فغدا عبدُ المطّلب، ومعه الحارثُ ابنه ليس له يومئذٍ ولدٌ غيرُه، ووجد الغُرابَ ينقُر بين إسافٍ ونائلةَ، فحَفَرَ، فلمّا بدا الطَّوِيُّ كَبَّرَ، وقِصَّتُه معروفةٌ. فالندبة نوعٌ من النداء، فكلُّ مندوب منادى، وليس كلُّ منادى مندوبًا، إذ ليس كل ما ينادَى يجوز ندبتُه، لأنّه يجوز أن ينادَى المنكورُ، والمبهمُ ولا يجوز ذلك في الندبة، فاعرفه.


(١) وقد أجاز الكوفيون ندبتها. انظر: الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، ص ٣٦٢ - ٣٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>