للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فجمع لضرورة بين "يا" و"الميم". وذهب الفرّاء من الكوفيين إلى أنّ أصله "يا اللهُ أُمَّنَا بخَيْرٍ"، إلاَّ أنّه لمّا كثُر في كلامهم، واشتهر في ألسِنتهم، حذفوا بعضَ الكلام تخفيفًا كما قالوا: "هَلُمَّ". والأصلُ: هَا الْمُمْ، فحذفوا الهمزةَ تخفيفًا، وادّغموا الميم في الميم، كما قالوا: وَيْلُمِّهِ. والأصل: وَيْلٌ لأمّه، وإنما حذفوا، وخفّفوا. وهو قولٌ واهٍ جدًّا لوجوهِ: منها أنّه لو كان الأمر كما ذكروا، لَمَا حسُن أن يُقال: "اللَّهُمَّ أُمَّنَا بخير"، لأنّه يكون تكرارًا، فلمّا حسُن من غير قُبْحٍ دل على فَسادِ ما ذهب إليه. وأيضًا فإنّه لو كان الأمر على ما ظنّ، لَمَا جاز استعمالُه في المَكارِه، نحو: "اللَّهُمَّ أهْلِكْهم، ولا تُهْلِكْنا، لأنه يكون تَناقُضًا. قال الله تعالى: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (١)، مع أنَّه لو كانت الميمُ أصلاً من الفعل، لمٍ يحتج الشرطُ إلى جوابٍ في الآية، ولَسدّت مَسَد الجواب. فلمّا افتقرت إلى جواب، وأجيبت بالفاء، دلّتْ على أنّها زائدةٌ، وليست من الفعل. واعلم أن سيبويه (٢) لا يرى نَعْتَ "اللَّهُمَّ" لأنه لفظٌ لا يقع إلاَّ في النداء، فهو في منزلةِ "يا هَناهْ"، و"يا مَلْكَعانُ" و"فُلُ"، وليس شيءٌ من هذا يُنْعَتُ (٣). وخالَفَه أبو العبّاس في ذلك، وقال: إذا كانت


= النحوية ٤/ ٢١٦؛ ولأميّة بن أبي الصلت في خزانة الأدب ٢/ ٢٩٥؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٣٢؛ والإنصاف ص ٣٤١؛ وجواهر الأدب ص ٩٦؛ ورصف المباني ص ٣٠٦؛ وسرّ صناعة الإعراب ١/ ٤١٩، ٢/ ٤٣٠؛ وشرح الأشموني ٢/ ٤٤٩؛ وشرح ابن عقيل ص ٥١٩؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٣٠٠؛ ولسان العرب ١٣/ ٤٦٩، ٤٧٠ (أل)؛ واللمع في العربيّة ص ١٩٧؛ والمحتسب ٢/ ٢٣٨؛ والمقتضب ٤/ ٢٤٢؛ ونوادر أبي زيد ص ١٦٥؛ وهمع الهوامع ١/ ١٧٨.
شرح المفردات: الحدث: الحادث. ألمّ: نزل، حلّ.
الإعراب: "إنّي": حرف مشبّه بالفعل، والياء ضمير في محل نصب اسم "إن". "إذا": ظرت زمان يتضمّن معنى الشرط، متعلّق بجوابه "ما": زائدة. "حدث": فاعل لفعل محذوف يفسّره الفعل المذكور بعده، تقديره: "إذا ألم حدث ألمّ ". "ألمّا": فعل ماضٍ، والألف للإطلاق، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". "دعوتُ": فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء ضمير متصل مبني في محلّ رفع فاعل. "يا": حرف نداء. "اللهمّ": منادى مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب، والميم للتعظيم عوّض بها عن حرف النداء المحذوت. "يا اللهم": كالسابقة.
وجملة "إني ... ": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "إذا ما حدث ... " الشرطية في محلّ رفع خبر "إن". وجملة: "ألم حدث" في محل جر بالإضافة. وجملة "ألمّ" تفسيريّه لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "دعوت" جواب شرط غير جازم لا محلّ لها من الإعراب. وجملة المنادى في محل نصب مفعول به لـ "دعوت".
والشاهد فيه قوله: "يا اللهم" حيث جمع بين "يا" والميم المشدّدة التي تأتي عوضًا عنها، وذلك ضرورة نادرة.
(١) الانفال: ٣٢.
(٢) الكتاب ٢/ ١٩٦.
(٣) في الطبعتين: "بنعت"، والتصحيح عن جدول التصحيحات الملحق بطبعة ليبزغ ص ٩٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>