للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قد يحذفون المنادى لدلالةِ حرف النداء عليه. فمن ذلك قولُهم: "يا بؤسٌ لزيد"، والمراد: يا قوم بؤسٌ لزيد. فـ "بؤسٌ" رفعٌ بالابتداء، والجارُّ والمجرورُ بعده خبرُه. وساغ الابتداءُ به وهو نكرةٌ، لأنّه دعاءٌ. ومثلُه قولهم: "يا وَيْلٌ لزيد"، و"يا وَيْحٌ لك" فيما حكاه أبو عمرو، وكأنّه نبّه إنسانًا، ثمّ جعل الويلَ له، وليس كقوله: "يا بُؤْسَ للحرب" لأنه هناك مدعوٌّ، ولذلك نصبه إذ كان مضافًا. والمراد: يا بؤسَ الحرب، واللامُ دخلتْ زائدة مؤكِّدة لمعنَى الإضافة على حدِّ زيادتها في "لا أَبَا لك". ولا تُزاد هذه اللام إلّا في هذَيْن الموضعَين.

ويجوز أن يكون "يَا" هنا تنبيهًا لا للنداء، فلا يكون ثمّ مدعوٌّ محذوفٌ، وما بعدها كلامٌ مبتدأٌ، كأنك قلت: "بؤسٌ لزيد"، و"ويلٌ له ووَيْحٌ".

وأمّا بيت الكتاب الذي أنشده، فيحتمل الوجهَيْن المذكورَيْن؛ وهو أن يكون ثمّ منادّى محذوفٌ، والمراد: يا قومُ، أو يا هؤلاء لعنةُ الله على سِمْعانَ. والآخرُ أن يكون "يَا" لمجرَّدِ التنبيه كأنّه نبّه الحاضرين على سبيل الاستعطاف لاستماع دُعائه، و"اللعنةُ" رفعٌ بالابتداء، و"على سمعان" الخبرُ. ولو كانت "اللعنةُ" مناداةً لنَصبها, لأنَها مضافة.

قال سيبويه: فـ "يَا" لغير اللعنة (١)، يُشير إلى أن المنادى محذوفٌ، وهو غيرُ اللعنة.

ويُروى: "والصالحون"، و"الصالحين"، مرفوعًا، ومخفوضًا. فالخفضُ أمره ظاهرٌ، وهو العطف على لفظِ اسم "الله"، فخُفض المعطوف الثاني كما خُفض المعطوف الأوّل، ومَن رفع فعلى وجهَيْن:

أحدُهما: أن يكون محمولًا على معنّى اسمِ "الله" تعالى، إذ كان فاعلًا في المعنى، والفاعلُ مرفوعٌ، ومثله قوله [من الكامل]:

٢٣٧ - [حتّى تَهَجَّرَ في الرواحِ وهاجَها] ... طَلَبَ المُعَقِّبِ حَقَّهُ المظلومُ


(١) الكتاب ٢/ ٢٢٠.
٢٣٧ - التخريج: البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ١٢٨؛ والإنصاف ١/ ٢٣٢؛ وخزانة الأدب ٢/ ٢٤٢، ٢٤٥، ٨/ ١٣٤؛ والدرر ٦/ ١١٨؛ وشرح التصريح ٢/ ٦٥؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ١٣٣؛ ولسان العرب ١/ ٦١٤ (عقب)؛ والمقاصد النحوَّية ٣/ ٥١٢؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٣٦٤؛ وخزانة الأدب ٨/ ١٣٤؛ وشرح الأشموني ٢/ ٣٣٧؛ وشرح ابن عقيل ص ٤١٧؛ وهمع الهوامع ٢/ ١٤٥.
شرح المفردات: تهجّر: سار عند اشتداد الحرّ. الرواح: وقت مغيب الشمس. هاجها: أزعجها وأثارها. المعقّب: المجدّ في طلب الشيء.
المعنى: يقول: إن هذا الحمار الوحشي هاج أتانه في الهاجرة لطلب الماء حثيثًا كطلب المعقّب المظلوم لحقّه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>