للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والنصب أجودُ، لأنه أقل إضمارًا، وتجوُّزا, لأنّك تُضْمِر فعلًا لا غيرُ، وفي الرفع تضمر مبتدأً، وتحذف مضافًا، فكان مرجوحًا لذلك.

ويجوز أن تقول: "من أنت زيدًا"؟ لِمن ليس اسمُه زيدًا على سبيل المَثَل، أي: أنت بمنزلةِ الذي يقال له ذلك، كما قالوا: "أَطِرِّي فإنّكِ ناعِلةٌ" (١)، و"الصَّيْفَ ضَيَّعْتِ اللَّبَنَ " (٢)، فتخاطِب الرجلَ بهذا، وإن كان اللفظُ للمؤنّث، وإنّما يقال للرجل ذلك على معنَى: أنتَ عندي بمنزلةِ التي قيل لها هذا. وربّما صُرّح باسمه، فقيل: من أنت عمرًا؟ على التشبيه بالمَثَلَ.

* * *

قال صاحب الكتاب: "ومنه مرحباً وأهلاً وسهلاً، أي أصبت رحباً ضيقاً، وأتيت أهلاً لا أجانب، ووطئت سهلاً من البلاد لا حزناً. وأن تأتني فأهل الليل وأهل النهار أي فإنك تأتي أهلاً لك بالليل والنهار.

* * *

قال الشارح: وقالوا: "مرحبًا وأهلًا وسهلًا" فانتصابُ هذه الأسماء بأفعال مقدّرةٌ. فقدّرها سيبويه (٣)، فقال: تقديرُها: رحُبتْ بلادُك وأُهِلَتْ. وإنّما قدّرها بالفعل، لأنّ الدعاء إنّما يكون بفعل، فرَدَّه إلى فعل من لفظ المدعوّ به، كما يقدّرون "تُرْبًا وجَنْدَلًا" بـ "تَرِبَت يداك وجُنْدِلَتْ". وإنّما الناصب له "أصبتَ تربًا وجندلًا" على حسبِ المعنى المقصود، وهذا إنّما يُستعمل فيما لا يُستعمل الفعل فيه، ولا يحسن إلا في موضع الدعاء به. ألا ترى أنّ الإنسان الزائر إذا قال له المزورُ: "مرحبًا وأهلًا"، فليس يريد رحبتْ بلادُك، وأهلتْ، وإنّما يريد أصبتَ رُحْبًا، وسَعَةً، وأُنْسًا عندنا، لأنّ الإنسان إنّما يأنَس بأهله. وإذا قال: "سهلًا" كأنّه قال: أصبتَ سهلًا: أي: مكانًا سهلًا لا حَزْنًا وخُشُونَةً.

ونظير ذلك أنّك إذا رأيت رجلًا يُسدد سَهْمًا، فتقول: "القِرطاسَ واللهِ"، أي:


(١) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في جمهرة الأمثال ١/ ٥٠؛ وجمهرة اللغة ص ١٢٢، ١٣٠٤؛ والعقد الفريد ٣/ ٩٦؛ وفصل المقال ص ١٦٩؛ وكتاب الأمثال ص ١١٥؛ واللسان ٤/ ٥٠٠ (طرر)، ١١/ ٣١٤ (زول)، ٦٦٨ (نعل)؛ والمستقصى ١/ ٢٢١؛ ومجمع الأمثال ١/ ٤٣٠.
يضرب للرجل يكون له فضل قوة في نفسه وسلاحه، فيتكلّف ما لو تركه لم يضرّه.
(٢) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في أمثال العرب ص٥١؛ وجمهرة الأمثال ١/ ٣٢٤، ٥٧٥؛ وخزانة الأدب ٤/ ١٠٥؛ والدرّة الفاخرة ١/ ١١١؛ والفاخر ص ١١١؛ وفصل المقال ص ٣٥٧، ٣٥٨، ٣٥٩؛ وكتاب الأمثال ص ٢٤٧؛ واللسان ٨/ ٢٣١ (ضيع)؛ والمستقصى ١/ ٣٢٩؛ ومجمع الأمثال ٢/ ٦٨، يضرب لمن يطلب شيئًا قد فوّته على نفسه.
(٣) الكتاب ١/ ٢٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>