للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظرفية معنّى زائدٌ على الاسم، فعُلم أنّ ثمَّ حرفًا أفادَه، وليس ثمَّ حرفٌ هذا معناه سوى "في"، فلذلك قيل: إنّها مقدَّرةٌ مرادةٌ. فإذا قلت: "صُمْتُ اليومَ"، و"جلستُ خَلْفَك"، جاز أن يكون انتصابُه على الظرف على تقدير "في"، وجاز أن يكون مفعولًا على السِّعَة. فإذا جعلتَه ظرفًا على تقديرِ "صُمْتُ في اليوم"، و"جلستُ في خَلْفِك"، فتقديرُ وصول الفعل إلى الاسم بتوسُّط الحرف الذي هو "في"، فأنت تَنْوِيها وإن لم تلفظ بها. وإذا جعلته مفعولًا به على السعة، فأنت غيرُ ناوٍ لـ "في"، بل تقدِّر الفعلَ وقع باليوم، كما يقع "ضربتُ" بـ "زيد"، إذا قلت: "ضربت زيدًا" وهو مجازٌ, لأنّ الصوم لا يُؤثّر في اليوم كما يؤثّر الضربُ في زيد. فاللفظُ على "ضربتُ زيدًا" والمعنى إنّما هو "في اليوم"، و"في خَلْفك". ولا يخرج عن معنى الظرفيّة، ولذلك يتعدّى إليه الفعلُ اللازمُ، نحو: "قام زيدٌ اليومَ"، والمُنْتَهِي في التعدّي، نحو: "ضربتُ زيدًا اليومَ"، و"أعطيتُ زيدًا درهمًا الساعة". ألا ترى أنّ "ضربتُ" إنما يتعدّى إلى مفعول واحد، و"أعطيتُ" يتعدّى إلى مفعولَيْن لا غيرُ، فلولا بقاء معنى الظرفيّة ما جاز تعدّي اللازم، والمنتهي في التعدّي، لأنّ المنتهي كاللازم.

ولا يكون هذا الاتّساع إلّا في الظروف المتمكِّنة، وهي ما جاز رفعُها، نحو: اليوم، والليلة، ونحوهما من الأزمنة، وخَلْفٍ، وقُدّامٍ وشِبْهِهما من الأمكنة؛ فأمّا غيرُ المتمكّنة نحو "سَحَرَ"، و"بُكْرَةَ" إذا أُريد بهما من يومٍ بعينه، و"عِنْدَ"، و"سِوَى"، ونحوهما ممّا تقدّم وصفُه، فإنّه لا يجوز فيها الاتّساعُ، فإذا قلتَ: "قمتُ سَحَرَ"، و"صلّيتُ عندَ محمّدٍ" لم يكن في نصبهما إلّا وجهٌ واحدٌ، وهو الظرفيّةُ.

وفائدةُ هذا الاتّساع تظهر في موضعَيْن: أحدهما أنّك إذا كَنَيْت عنه، وهو ظرفٌ، لم يكن بُدٌّ من ظهورِ "في" مع مضمره، تقول: "اليوم قمتُ فيه"، لأنّ الإضمار يرُدّ الأشياء إلى أُصولها، وإن اعتقدت أنّه مفعولٌ به على السعة، لم تظهر "في" معه، لأنّها لم تكن مَنْوِيّةً مع الظاهر، فتقول: "اليومُ قُمْتُهُ"، و"الذي سِرْتُهُ يومُ الجُمْعة". فأمّا قول الشاعر - وهو رجلٌ من بني عامرٍ [من الطويل]:

وَيوْمٍ شَهِدْناهُ سُلَيْمًا وعامِرًا ... قَلِيلٍ سِوَى الطَّعْنِ النِّهالِ نَوافِلُهْ

فالشاهد فيه أنّه لم يُظْهِر "في" حينَ أضْمَرَهُ، لأنّه جَعَلَهُ مفعولًا به مجازًا، ولو جعله ظرفًا على أصله، لقال: "شهدنا فيه". وسُلَيْمٌ، وعامِرٌ: قبيلتان من قَيْس بن عَيْلانَ. والنوافلُ هنا: الغنائمُ. يقول: لم نَغْنَمْ إلّا النفوسَ بما أوليناهم من كثرةِ الطَّعْن. والنِّهالُ: المُرْتَوِيَةُ بالدم. وأصلُ النَّهَل: أوّلُ الشُّرْب.

والثاني أنّك إذا جعلته مفعولًا به على السعة جازت الإضافةُ إليه من ذلك قولهم [من الرجز]:

يا سارِقَ الليلةِ أهلَ الدار

<<  <  ج: ص:  >  >>