للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الشارح: اعلم أنّ الحال وَصْفُ هَيْئةِ الفاعل أو المفعولِ، وذلك نحوُ: "جاء زيدٌ ضاحِكًا"، و"أقبل محمّدٌ مُسْرِعًا"، و"ضربتُ عبدَ اللَّه باكيًا"، و"لقيتُ الأميرَ عادلًا". والمعنى: جاء عبدُ اللَّه في هذه الحال، ولقيتُ الأمير في هذه الحال. واعتبارُه بأن يقع في جوابِ "كَيْفَ". فإذا قلتَ: "أقبل عبدُ الله ضاحكًا"، فكأَنّ سائلًا سأل: "كيف أقبل"؟ فقلتَ: "أَقبل ضاحكًا"، كما يقع المفعولُ له في جوابِ "لِمَ فعلتَ".

وإنّما سُمّي حالًا لأنّه لا يجوز أن يكون اسمُ الفاعل فيها إلَّا لِمَا أنت فيه، تَطاولَ الوقتُ أم قَصرَ. ولا يجوز أن يكون لِما مضى وانقطع، ولا لِما لم يأتِ من الأفعال. إذ الحالُ إنّما هي هيئةُ الفاعل أو المفعولِ وصفتُه في وقتِ ذلك الفعل. والحال تُشْبِه المفعولَ، وليست به. ألا ترى أنّه يعمل فيها الفعلُ اللازمُ غيرُ المتعدّي، نحوُ: "جاءَ زيدٌ راكبًا"، و"أقبل عبدُ الله مُسْرِعًا؟ " فـ "أقْبَلَ" و"جَاءَ" فعلان لازمان غيرُ متعدِّيَيْن، وقد عمِلا في الحال، فدلّ ذلك أنّها ليست مفعولةً كـ "ضَرَبَ زيدٌ عمرًا". وممّا يدلّ أنّها ليست مفعولةً أنّها هي الفاعلُ في المعنى، وليست غيرَه، فـ "الراكبُ" في "جاء زيدٌ راكبًا" هو زيدٌ. وليس المفعولُ كذلك بل لا يكون إلَّا غيرَ الفاعل أو في حُكْمه، نحوَ "ضرب زيدٌ عمرًا". ولذلك امتنع "ضربتُني" و"ضربتَك" لاتّحادِ الفاعل والمفعول. فأمّا قولهم: "ضربتُ نفسي" فـ "النفسُ" في حكمِ الأجّنَبيّ، ولذلك يُخاطِبها رَبُّها، فيقول: "يا نفسي أقْلِعِي" مُخاطَبةَ الأجنبيّ. ولو كانت الحالُ مفعولةٌ، لجاز أن تكون معرفةً. ونكرةً كسائر المفعولين. فلمّا اختصّت بالنكرة، دلّ على أنّها ليست مفعولةً. وإذ قد ثبت أنّها ليست مفعولة، فهي تُشْبِه المفعولَ من حيث إنّها تجيء بعد تَمامِ الكلام، واستغناءِ الفعل بفاعله، وأنّ في الفعل دليلًا عليها كما كان فيه دليلٌ على المفعول، ألا ترى أنّك إذا قلت: "قمتُ"، فلا بدّ أن تكون قد قمتَ في حالٍ من الأحوال، فأشْبَهَ قولُك: "جاء عبدُ الله راكبًا" قولَك: "ضَرَبَ عبدُ الله رجلاً"، ولأجلِ هذا الشَّبَه استحقّت أن تكون منصوبةً.

وقوله: "ولها بالظرف شَبَهٌ خاصٌّ" يعني أنّ الحال تُشْبِه المفعولَ على سبيلِ العُموم من الجهات التي ذكرناها، ولا تخُصّ مفعولًا دون مفعول، ولها شَبَهٌ خاصٌّ بالمفعول فيه، وخُصوصًا ظرفِ الزمان. وذلك لأنّها تُقدَّر بـ "في". كما يُقدَّر الظرفُ بـ "فِي" فإذا قلت: "جاء زيدٌ راكبًا"، كان تقديرُه: في حالِ الركوب، كما أنّك إذا قلت: "جاء زيدٌ اليوم"، كان تقديرُه: جاء زيدٌ في اليوم، وخصّ الشَّبَهُ بظرف الزمان، لأنّ الحال لا تبقَى، بل تنتقِل إلى حالٍ أُخْرَى، كما أنّ الزمان مُنْقَضٍ لا يبقى، ويخلُفُه غيره. ولذلك لا يجوز


= وجملة "متى ما تلقني ترجف": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "تلقني": في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة "ترجف ... ": لا محل لها من الإعراب لأنّها جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء أو "إذا". وجملة "تستطارا": معطوفة على سابقتها.
والشاهد فيه قوله: "فردين" حيث جاءت الحال لبيان هيئة الفاعل والمفعول معًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>