"عندي راقودُ خلّ، ورطلُ زيتٍ"، وتكون إضافتُه من قبيلِ إضافةِ النوع إلى الجنس، والبعضِ إلى الكلّ، نحوِ:"هذا ثوبُ خَز، وجُبَّةُ صُوفٍ"، والمعنى: مِن خزّ، ومِن صوف. فإذا دخل التنوينُ الاسمَ المميَّزَ، نحو:"رطلٌ" و"راقودٌ"، أو نونُ التثنية، نحو قولك:"رطلان"، و"مَنَوان"، أو نونُ الجمع، نحو:"عشرين"، و"ثلاثين"، ونحوِهما من الأعداد، آذَنَ ذلك باكتفاءِ الاسم وتمامِه، وحَالَ بينه وبين الإضافة. وكذلك الإضافةُ في نحوِ:"ملءُ الإناء عَسَلًا"، و"مثلُها زُبْدًا"، و"موضعُ كَفٍّ سَحابَا"، حالت بين المميَّز والمميِّزِ، ومنعتْه من الإضافة مَنْعَ التنوين والنونِ، فنُصب على الفضلة تشبيهًا بالمفعول، وتنزيلاً للاسم الجامد منزلةَ اسم الفاعل من الجهة التي ذكرناها، فعمِل النصبَ، وانحطّ عن درجةِ اسم الفاعل، فاختصّ عملُه في النكرة دون المعرفة، كما انحطّ اسمُ الفاعل عندنا عن درجة الفعل، حتى إذا جرى على غيرِ مَن هو له، وجب إبرازُ ضميره، نحو قولك:"زيدٌ هندٌ ضَارِبُها هو".
وأمّا قوله: و"ذلك على ضربين: زائلٌ، ولازمٌ"، يريد أنّ هذه الأشياء التي يتمّ بها الاسمُ المميَّزُ حتى يُنصَب ما بعده، منها ما يزول، وأنت فيه مخيَّرٌ، إن شئتَ أثبتَّه، ونصبتَ ما بعده، وإن شئت حذفته، وخفضتَ ما بعده، وذلك التنوينُ ونونُ التثنية، تقول:"هذا راقودٌ خلاًّ، ورطلٌ سمنًا، وأُوقِيَّةٌ ذهبًا" تُثبِت التنوينَ، وتنصب المميّز. وإن شئت، حذفتَ التنوين، وخفضتَ، فقلت:"راقودُ خلّ، ورطلُ سمنٍ، وأوقيّةُ ذهبٍ"؛ لأن التنوين معاقِبٌ للإضافة.
وكذلك نونُ التثنية، أنت في حذفها وإثباتها مخيَّرٌ. تقول:"عندي منوانِ سمنًا، ورطلان عسلاً"، تنصب "سمنًا"، و"عسلًا" بعد النون، ولك حذفُها والخفضُ، نحو:"منوا سمنٍ"، و"رطلا عسلٍ".
وأمّا اللازم، فنحو نونِ الجمع في نحو"عشرين"، و"ثلاثين" إلى "التسعين"، النونُ فيه لازمةٌ، والتمييزُ بعدها منصوبٌ. ولا يجوز حذفُ النون منه، وإضافتُه إلى المميِّزِ، لأنّ نَصْبَه ما بعده بالحمل، والشَّبَهِ باسم الفاعل والصفةِ المشبَّهة باسم الفاعل، نحوِ قولك:"ضاربون"، و"حَسَنون". ولم يَقْوَ قُوَّتَهما فيتصرّفَ تصرُّفَهما، وإنّما لضُعْفِ شَبَهه، أُلزم طريقةً واحدةً في التفسير والبيانِ، فإن أضفته إلى مالكٍ، نحوَ:"عِشروكَ"، و"عشرو زيدٍ"، جاز حذفُ النون، كما جاز إضافةُ المركَّب، وإن كان مبنيًّا، نحو قولك:"ثَلَاثَةَ عَشَرَك"، و"خَمْسَةَ عشرك".
وكذلك التمييز بعد الإضافة يقع لازمًا، نحو:"ملءُ الإناء عسلاً"، و"على التَّمْرة مثلُها زُبْدًا" لأن المضاف والمضاف إليه معًا هو المِقْدارُ المُبْهَمُ الذي وقع التفسيرُ له، فلم يجز أنّ تقول:"ملءُ عسلٍ"، "ولا مثلُ زبدٍ"، فاعرفه.