للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحُكي عن الكِسائيّ أنّه قال: إنّما نصبنا المستثنى, لأنّ تأويله: قام القومُ إلّا أنّ زيدًا لم يقم. وقد رَدَّه الفرّاءُ بأن قال: لو كان هذا النصبُ بأنّه لم يفعل، لكان مع "لا" في قولك: "قام زيدٌ لا عمرٌو" كذلك. وقيل: قولُ الكسائيّ يرجِع إلى قول سيبويه، وإنّما هذا القولُ لتقريرِ معنى الاستثناء، لا لتحقيقِ نفس العامل.

فأمّا قولُ صاحب الكتاب: "المستثنى في إعرابه على خمسةِ أضرب: أحدُها منصوبٌ أبدًا، وهو على ثلاثةِ أوجه: ما استُثني بـ "إِلَّا" من كلام موجَب، وذلك "جاءني القومُ إِلّا زيداً""، فإنّه على ما ذكر. وذلك أنّ المستثنى في إعرابه على خمسة أضرب، منها ما هو منصوبٌ أبداً، فلا يجوز غيرُه من الإعراب، وهو ثلاثةُ أشياءَ: أحدُها ما استُثني بـ "إِلَّا" من كلام موجَب. و"إِلَّا" أُمُّ حروف الاستثناء وهي المستولِيَةُ على هذا الباب.

وقوله: "من كلام موجب"، فالموجَبُ من الكلام ما ليس معه حرفُ نفي، والمُثْبَتُ من الأفعال ما وقع وحدث، فقولُك: "قام زيدٌ" مُوجَبٌ مُثْبَتٌ، موجبٌ لأنّه ليس بمنفيّ، ولا جارٍ مجرَى المنفيّ بأن يكون معه حرفُ نفي، أو استفهامِ، ومثبتٌ من حيثُ إنّه قد وقع وكان، فكلُّ مثبت موجبٌ، وليس كل موجب مثبتًا. فقولُك: "يقوم زيدٌ" موجبٌ لعدمِ النافي، أو ما يجري مجراه، وليس بمثبتٍ، والعِبْرةُ في الاستثناء بالموجب سواءً كان مثبتًا، أو غيرَ مثبت. فالمستثنى من الموجب منصوبٌ أبداً، نحو قولك: "أتاني القومُ إلّا زيداً"، و"رأيتُ القومَ إلّا زيدًا"، و"مررتُ بالقوم إلّا زيدًا"، ليس فيه إلّا النصبُ، وإنّما كان منصوبًا لشَبَهه بالمفعول، ووجهُ الشبه بينهما أنّه يأتي بعد الكلام التامَّ فضلة، وموقعُه من الجملة الآخِرُ كموقعه، وإنّما قلنا: إِنّه مشبَّهٌ بالمفعول، ولم نقل إنّه مفعولٌ، لأنّ المستثنى أبدًا بعضُ المستثنى منه، والمفعولُ غيرُ الفاعل، وكذلك قلنا في خبرِ "كان": إِنه مشبَّهٌ بالمفعول. ويُؤيِّد ما قلناه أنّه يعمل في المستثنى المعاني، نحوَ قولك: "القومُ في الدار إلّا زيدًا". والمفعولُ الحقيقيُّ لا يعمل فيه إلّا لفظُ الفعل، إمّا ظاهرًا، وإمّا مضمَرًا، فاعرفه.

* * *

قال صاحب الكتاب: "وبـ "عدا" و"خلا" بعد كل كلام, وبعضهم يجر بـ "خلا", وقيل: بهما، ولم يورد هذا القول سيبويه, ولا المبرد".

* * *

قال الشارح: ومن ذلك المستثنى بـ "خَلاَ"، و"عَدَا".

فإنّ المستثنى بهما لا يكون إلّا نصبًا، سواء كان الاستثناءُ من موجَبٍ، أو منفىّ. تقول: "قام القوم خلا زيدًا، وعدا عمرًا"، و"ما قام أحدٌ خلا زيدًا، وعدا عمرًا"، وما

<<  <  ج: ص:  >  >>