للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجِفانُ. والأَدَمَةُ: باطنُ الجِلْدِ، والبَشَرةُ: ظاهرُه؛ يقال: "رجلٌ مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ" (١)، أي قد جَمَعَ بين لين الأديم وخُشونَةِ البشرة.

وقوله: و"يمضغون لحمها": أي يأكلون بالغِيبَة والعَيْبِ؛ من قوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} (٢)، و"المَضْغُ": إدارةُ الطعام في الفم، يقال: مَضَغَ يَمْضُغُ، بالضمّ والفتح؛ فالضمُّ على الأصل، والفتحُ لمكان حرف الحَلق، إلّا أنّ الضمّ هو الأصلُ، وأجوَدُ ها هنا لقُرْب الغين من الفم.

والمَثَلُ السائرُ "الشَّعِير يُؤكَلُ ويُذَمّ": يُضْرَب هذا المثل لكلِّ من يُنتفَع به ويجازَى بالقبيح؛ وذلك أن الشعير يُؤْكَل، فيُسمِّن ويُغْنِي عن جُوعٍ، وهو مذمومٌ.

...

وقوله: "ويدَّعون الاستغناء عنها وأنهم ليسوا في شِقٍّ منها": "يدَّعون" يَزْعَمون، وهو "يفتعلون" من "الدَّعْوى"، ومنه قول امرئ القيس [من المتقارب]:

١٦ - لا يَدَّعِي القَوْمُ أنّي أَفِرْ (٣)

و"الشقُّ ": الناحية والجانب، والمعنى أنّهم يتبّرؤون منها ويدّعون الاستغناء عنها.

...

قال: "فإن صحَّ ذلك، فما بالُهم لا يُطلِّقون اللغة رأسًا والإعرابَ، ولا يقطعون بينهما وبينهم الأسبابَ". "فما بالُهم": فما حالُهم؛ وأصلُ "الطلاق" الإرسالُ والتخليةُ، يقال: ناقةٌ طالقٌ، ونَعْجَةٌ طالقٌ، إذا كانت مُرْسَلة ترعى حيث شاءت، ويقال: طلّقتُ المرأة تطليقًا، وطَلَقتْ هي طلاقًا، ولا يقال: طلُقتْ بالضمّ. و"اللغة": عبارةٌ عن العلم بالكَلِم المفردة، و"الإعراب": عبارةٌ عن اختلاف أواخرها لإبانة معانيها.

وقوله: "لا يقطعون بينهما": أي بين اللغة والإعراب، و"بينهم": أي بين هؤلاء القوم، أي الشُّعُوبية. و"الأسباب": الوُصُلات، واحدُها سَبَبٌ، مثل قَلَم وأَقْلَام؛ وأصولُ "السبب": الحَبْلُ الذي يُشَدُّ به الشيء، ثمّ يجعل كلُّ ما جَرَّ شيئًا سَبَبًا له.

...


(١) ورد هذا القول في لسان العرب ٤/ ٦٠ (بشر)، ١٢/ ١٠ (أدم).
(٢) الحجرات: ١٢.
(٣) عجز بيت لامرىء القيس، وتمامه:
لا وأبيكِ ابنَةَ العامِرِي م ... لا يدَّعي القومُ أَنِّي أَفِرْ
والبيت في ديوانه ص ١٥٤؛ وخزانة الأدب ١/ ٣٧٤، ١١/ ٢٢١، ٢٢٢؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٦٣٥؛ والشعر والشعراء ١/ ١٢٨؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٤٦؛ والمقاصد النحوية ١/ ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>