للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإصاخة: الاستماعُ، والناشدُ: الطالبُ، والمُنْشِدُ: المُعَرِّفُ.

الضرب الآخر أن يتعدّى إلى مفعولَيْن من بابِ "نشدتُ". وذلك قولُهم: "نشدتُك اللهُ إلّا فعلتَ"، هكذا حكاه سيبويه (١)، وهو كلامٌ محمول على المعنى، كأنّه قال: "ما أَنْشُدُ إلّا فَعْلَك" أي: ما أسألُك إلّا فَعْلَك، ومثلُ ذلك "شَرّ أهَرَّ ذا نابٍ" (٢) "وشيءٌ ما جاء بك"، وجاز وقوعُ "فعلتَ" هاهنا بعد "إلّا" من حيثُ كان دالآ على مصدره، كأنّهم قالوا: "ما أسألك إلّا فَعْلَك". ونحوه ما أنشده أبو زيدٍ [من الوافر]:

٣١٦ - فقالوا ما تَشاءُ فقلتُ أَلْهُو ... إلى الإصباح آثِرَ ذي أَثِيرِ

فأوقع الفعلَ على مصدره لدلالته عليه، فكأنّه قال فى الذي جواب "ما تشاءُ اللَّهْوَ"، وإذا ساغ أنّ تحمل "شرٌّ أهَرَّ ذا نابٍ" على معنى المنفيّ، كان معنى النفي في "نشدتُك الله إلّا فعلتَ" أظهرَ، لقُوّةِ الدلالة على النفي بدخول (٣) "إلّا" لدلالتها عليه. ألا ترى أنّهم قالوا: "ليس الطيبُ إلّا المِسْكَ"، فجاز دخولُ "إلّا" في قول أبي الحسن بين المبتدأ والخبر، وإن لم يجز "زيدٌ إلّا منطلقٌ" لمّا كان عاريًا من معنى النفي. ومثله من الحمل على المعنى قولُ الآخر [من الطويل]:

٣١٧ - [أنا الذائدُ الحامي الذمارَ] وإنّما ... يُدافِعُ عن أَعْراضِهم أَنَا أو مِثْلِي


= والشاهد فيه قوله: "إصاخة الناشد" بمعنى استماع الطالب لمطلوبه.
(١) الكتاب ١/ ٣٢٢؛ ٣/ ١٠٦.
(٢) هذا القول من أمثال العرب، وقد تقدم تخريجه.
٣١٦ - التخريج: البيت لعروة بن الورد في ديوانه ص ٥٧؛ والدرر ١/ ٧٥؛ ولسان العرب ٤/ ٩ (أثر)؛ وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٥٣٦؛ والخصائص ٢/ ٤٣٣؛ والمحتسب ٢/ ٣٢؛ وهمع الهوامع ١/ ٦.
الإعراب: "فقالوا": الفاء: حرف بحسب ما قبله، قالوا: فعل ماضٍ مبني على الضمّ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: ضمير متصل مبني في محلّ رفع فاعل، والألف فارقة. "ما": حرف استفهام مبني في محلّ نصب مفعول به مقدم للفعل بعدها. "تشاء": فعل مضارع مرفوع بالضمة، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنت. "فقلت": الفاء: حرف عطف، و"قلت": فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني في محلّ رفع فاعل. "ألهو": فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الواو للثقل، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنا. "إلى إلاصباح": جارّ ومجرور متعلّقان بـ "ألهو". "آثر": مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة، متعلق بـ"ألهو"، وهو مضاف. "ذي": من الأسماء الخمسة مضاف إليه مجرور بالياء، وهو مضاف. "أثير": مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة "قالوا": بحسب الفاء. وجملة "ما تشاء": في محل نصب مفعول به مقول القول. وجملة "قلت": معطوفة على جملة "قالوا" وجملة "ألهو": في محلّ نصب مفعول به مقول القول.
والشاهد فيه قوله: "ما تشاء؟ فقلت: ألهو" حيث استخدم الفعل للدلالة على مصدره "اللهو".
(٣) في الطبعتين: "لدخول"، والتصحيح عن جدول التصويبات المرفق بطبعة ليبزغ ص ٩٠٦.
٣١٧ - التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه ٢/ ١٥٣؛ وتذكرة النحاة ص ٨٥؛ والجنى الداني ص ٣٩٧؛ وخزانة الأدب ٤/ ٤٦٥؛ والدرر ١/ ١٩٦؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٧١٨؛ ولسان العرب ١٥/ ٢٠٠ =

<<  <  ج: ص:  >  >>