للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَجْزِيّون بأعمالهم إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ" (١)، و"المَرْءُ مقتولٌ بما قَتَلَ به إن خَنْجَرَا فخنجرٌ، وإن سَيفًا فسيفٌ" أي: إن كان عَمَلُه خيرًا فجَزاؤُه خيرٌ، إن كان شرًّا فجزاؤه شرٌّ. ومنهم من ينصبهما، أي: إن كان خيرًا كان خيرًا، والرفعُ أحْسَنُ في الآخِر. ومنهم من يرفعهما، ويُضمِر الرافعَ، أي: إن كان معه خنجرٌ. فالذي يُقتَل به خنجرٌ قال النّعْمان بن المُنْذر [من البسيط]:

٣١٨ - قد قِيلَ ذلك إن حَقًّا وإن كَذِبًا ... [وما اعْتِذارُكَ من شيء إذا قيلا] "

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ "كَانَ" قد تُحذَف كثيرًا، وهي مرادة، وذلك لكثرتها في الكلام. فمن ذلك قولُهم: "الناسُ مَجْزيون بأعمالهم إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًا فشرٌ"، فلَكَ في هذه المسألة أربعةُ أوجه من الإعراب: أن تنصبهما جميعًا، وأن ترفعهما جميعًا، وأن تنصب الأوّلَ وترفع الثانِيَ، وأن ترفع الأوّلَ وتنصب الثاني. فإذا نصبتَهما جميعًا قلت: الناسُ مجزيون باْعمالهم إن خيرَا فخيرًا". وانتصابُهما بفعلَيْن مضمرَيْن أحدهما شرطٌ، والآخرُ جزاءٌ, خُذفا لدلالة "إن" عليهما، إذ لا يقع بعدها إلّا فعل. والتقدير: إن كان عمله خيرًا، فيكون جزاؤه خيرًا، أو فهو يُجْزَى خيرًا. فالأوّل خبرُ "كَانَ" المحذوفةِ، والثاني خبرُ "كَانَ" الثانية، إن قدّرتَ "كَانَ"، أو مفعولٌ ثانٍ إن قدّرت "يُجْزَى".


(١) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في مجمع الأمثال ٢/ ٣٤١.
٣ - التخريج: البيت للنعمان بن المنذر في الأغاني ١٥/ ٢٩٥؛ وأمالي المرتضى ١/ ١٩٣؛ وخزانة الأدب ٤/ ١٠، ٩/ ٥٥٢؛ والدرر ٢/ ٨٢؛ وشرح أبيات سيبويه ١/ ٣٥٢؛ وشرح شواهد المغني ١/ ١٨٨؛ والكتاب ١/ ٢٦٠؛ والمقاصد النحوية ٢/ ٦٦؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ١/ ١١٨؛ ومغني اللبيب ١/ ٦١.
الإعراب: "قد": حرف تحقيق. "قيل": فعل ماضٍ مبني للمجهول "ذلك": "ذا": اسم إشارة مبنّي في محلّ رفع نائب فاعل، واللام: حرف للبعد، والكاف: حرف للخطاب. "إن": حرف شرط جازم. "حقًّا": خبر "كان" المحذوفة مع اسمها. "وإن كذبًا": الواو: حرف عطف، والبقية تعرب إعراب "إن حَقًّا"."وما": الواو حرف استئناف، و"ما": اسم استفهام فى محلّ رفع خبر مقدم. "اعتذارك": مبتدأ مؤخر مرفوع، وهو مضاف، والكاف: ضمير متصل مبني في محل جرّ بالإضافة. "من شيء": جار ومجرور متعلّقان بـ "اعتذارك". "إذا": ظرف متعلّق بالخبر. "قيلا": فعل ماضٍ مبني للمجهول، والألف: للإطلاق، ونانب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو.
وجملة "قد قيل": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "إن كان حقًّا" في محلّ نصب حال. وجملة "وما اعتذارك": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "إن كذبًا": معطوفة على الجملة الشرطية السابقة فهي مثلها، وجوابها مثل جواب السابقة أيضًا. وجملة "قيلا": في محلّ جرّ بالاضافة.
والشاهد فيه قوله: "إن حَقًّا وإن كذبًا" حيث حذفت "كان" مع اسمها بعد "إن" الشرطية، وبقي الخبر، وذلك شائع.

<<  <  ج: ص:  >  >>