للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"العَسَلُ حُلْوٌ، والخَلُّ حامضٌ"، فإنّما معناه: العسلُ الشائعُ في الدنيا، المعروفُ بالعقل، دون حاسّة المشاهَدةِ، حلوٌ؛ وكذلك الخَلّ. والذي يدل على أنّ الألف واللام إذا أُريد بهما الجنس تعُمّان قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (١)، فصحّةُ الاستثناء من "الإنسان" تدلّ على أن المراد به الجماعة.

ومن ذلك حروف العطف، نحو "الواو" و"الفاء" و"ثمّ"، فإنّ الواو معناها الجمعُ المُطْلَقُ من غير ترتيب، والفاء تدلّ على أن الثاني بعد الأوّل بلا مُهْلَهٍ، و"ثُمَّ" كذلك، إلّا أن بينهما تراخيا؛ فعلى هذا إذا قال لزوجته: "أنتِ طالقٌ إن دخلتِ الدارَ، وكلّمتُكِ"، فهذه تَطْلُق بوقوع الفعلَين جميعًا بدخول الدار والكلام، لا تطلق بأحدهما دون الآخر، فإن دخلت الدارَ ولم يُكلِّمها لم تطلق، وإن كلّمها ولم تدخل الدار لم تطلق، ولكن إذا جُمع بينهما طلقت، ولا يبالى بأيهما بدأ، بالكلام أم بالدخول، أيُّ ذلك بدأ به وقع الطلاقُ، بعد أن يُجْمَعَ بينهما, لأنّ المعطوف بالواو يجوز أن يقع آخِرُه قبل أوّله، ألا ترى أنّك تقول: "رأيتُ زيدًا وعمرًا"، فيجوز أن يكون عمرو في الرؤية قبل زيد؛ قال الله تعالى: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (٢)؛ وكذلك إن قال لعبده: "إن دخلتَ الدارَ وكلّمتَ زيدًا فأنت حُرٌّ"، فإنّه لا يعتِق إلّا بوقوع الفعلَين جميعًا كيف وقعا، ولا فَرْقَ فيه بين وقوع الأوّل قبل الثاني، والثاني قبل الأوّل في اللفظ؛ ولو قال: إن دخلتَ فكلّمتَ عمرًا، لا يقع العِتْقُ إلّا بالجمع بينهما، مُرَتَّبًا الكلامُ بعد الدخول بلا مُهْلةٍ، ولو قال ذلك بـ"ثُمَّ"، لكان في الترتيب مثل الفاء، إلّا أنّه يكون بينهما تمادٍ وتراخٍ.

ومن ذلك حروف الجرّ، نحو"مِنْ" واللام؛ فإنّ الرجل إذا حلف وقال: و"الله لا آكُل من طعام زيد"؛ فإنه يحنث بأَكْلِ اليسير منه. ولو قال: "لا آكلُ طعامَ زيد"؛ فإنّه لا يحنث إلّا بأَكْل الجميع. وكذلك لو كان عنده عبدٌ فقال: هو لَزيدٌ، بفتح اللام والرفع، لم يلزمه شيءٌ، ولو قال: "لِزيدٍ"، بكسر اللام والخفض، لكان مُقِرًّا له به؛ لأنّ اللام إذا فتحها، كانت تأكيدًا، وكان مخبرًا أنّ العبد اسمُه زيد؛ وإذا كسر اللامَ، كانت لامَ المِلْك الخافضةَ، وكان مخبرًا أنّه مِلْكُه.

...

قال: "وفي الحذف والإضمار، وفي أبواب الاختصار والتكرار، وفي التطليق، بالمصدر واسم الفاعل، وفي الفرق بين "إِنْ" و"أَنْ" و"إِذَا" و"مَتَى" و"كُلَّمَا" وأشباهِها، ممّا يطول ذكرُها؛ فإنّ ذلك كله من النحو". ومن ذلك مسائل الطلاق، إذا قال: "أنْتِ طالقٌ"؛ طلقت منه، وإن لم يَنْوِ؛ ولو أتى بلفظ المصدر، فقال: "أنت طَلاقٌ"؛ لم يقع الطلاقُ إلّا بنيّته, لأنّه ليس بصريحٍ، إنّما هو كناية عن إرادة إيقاع المصدر موقع اسم


(١) العصر:٢ - ٣.
(٢) آل عمران: ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>