للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللهم إلا إذا شهر المضاف بمغايرة المضاف إليه, كقوله تعالي: {غير المغضوب عليهم} (١)، أو بمماثلته".

* * *

قال الشارح: قد تقدّم القول: إِنّ المضاف يكتسِي من المضاف إليه تعريفَه، إن كان معرفةً, إذا كانت الإضافةُ محضة، نحوَ: "غلامُ زيدٍ"، و"مالُ عمرِو"، وقد جاءت أسماءٌ أُضيفت إلى المعارف، ولم تتعرّف بذلك للإبهام الذي فيها، وأنّها لا تختصّ واحدًا بعينه، وذلك "غَيْرٌ"، و"مِثْلٌ"، و"شِبهٌ". فهذه نكراتٌ، وإن كنّ مضافاتٍ إلى معرفةٍ. وإنّما نَكَّرَهنّ مَعانيهنّ، وذلك لأنّ هذه الأسماء، لمّا لم تنحصِر مغايرَتُها ومماثَلتُها؛ لم تتعرّف. ألا ترى أنّ كلَّ مَن عَداه فهو "غيرٌ"؟ وجهةُ المماثلة والمشابهةِ غيرُ منحصِرة، فإذا قلت: "مِثْلُك"، جاز أن يكون مثلَك في طُولك، وفي لَوْنك، وفي عِلْمك. ولن يُحاطَ بالأشياء التي يكون بها الشيءُ مثلَ الشيء. فلذلك من الإبهام كانت نكراتٍ. فلذلك هذه الأشياءُ كانت مضافات بمعنَى اسم الفاعل في موضعِ "مُغاير"، و"مُماثِل"، و"مُشابِه". كأنّ المماثلة في قولك: "مررت برجلٍ مثْلَكَ" موجودةٌ في وقتِ مُرورك به، فهو للحال، فكان نكرةً كاسم الفاعل إذا أضيف، وهو للحال. ويدل على تنكيره أنّك تصفُ به النكرةَ، فتقول: "مررت برجلٍ غيرِك". فأمّا قوله [من الكامل]:

يا رُبَّ مِثْلِكِ في النِّساء غَرِيرَةٍ ... بَيْضاءَ قد مَتَّعْتُهَا بطلاقِ

فالبيت لأبي مِحْجَن الثَّقَفيّ، أنشده سيبويه (٢). والشاهدُ دخولُ "رُبَّ" على "مثلك". و"رُبَّ" لا تدخل إلَّا على نكرة. وغريرةٌ أي: مُغتَرّةٌ بِلينِ العَيْش، غافلةٌ عن صُروفِ الدَّهْر. ومتّعتُها بطَلاقٍ، أي: أعطيتُها شيئًا تستمتِع به عند طلاقها، كأنّه يُهدِّد زوجتَه بذلك.

تقول: "مررت برجلٍ مثلك أي: صورتُه مشبَّهةً بصورتك، و"مررت برجلٍ غيرِك أي: ليس بك، وإنّه لم يمُرّ باثنَيْن، ألا ترى أنّه إذا قال: "مررت بغيرك" بإسقاط المنعوت، جاز أن يكون مرّ بأكثرَ من واحد، فإذا قال: "مررت برجل غيرك"، عُلم أنّه مرّ بواحد لا أكثرَ من ذلك؟


= وجملة "متعتها": في محل رفع خبر للمبتدأ. وجملة "مثلك قد متعتها": ابتدائيّة لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "يا رب مثلك" حيث أدخل "رب" على "مثل"، و"ربّ" لا تدخل إلَّا على النكرات.
(١) الفاتحة: ٧.
(٢) الكتاب ١/ ٤٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>