للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد عابه الأصمعيُّ، ورواه بالواو. وحُجَّةُ مَن رواه بالفاء أنّ "الدَّخُول"، و"حَوْمَلَ" موضعان يشتمِل كلُّ واحد منهما على أماكِنَ كالشَام والعِراق. فلو قلت: "عبدُ الله بين الدخول" تريد: بين مواضعِ الدخول لَتَمَّ الكلامُ وصَلَحَ، كما تقول: "سِرْنا بين الشام"، والمراد بين مواضع الشام، فعلى هذا قال: "بين الدخول"، أي: بين مواضع الدخول، ثمّ عطف بالفاء فقال: "فَحَوْمَلِ".

وأمّا "وَسْطَ"، فيكون اسمًا وظرفًا. فإذا أردتَ الظرفَ أسكنتَ السينَ، وإذا أردتَ الاسمَ، فتحتَ، فتقول: "وَسْطَ رأسِك دُهْنٌ"، إذا أخبرت أنّه استقرّ في ذلك الموضع؛ أسكنتَ السين، ونصبتَ، لأنّه ظرفٌ، وتقول: "وَسَطُ رأسِك صُلْبٌ" فتحتَ السين ورفعت, لأنّه اسمٌ غيرُ ظرف، وتقول: "حفرتُ وسْطَ الدار بئْرًا" بسكونِ السين، كأنّ البئر في بعضِ الوَسَط. وتقول: "ضربتُ وَسَطَهُ" لأنّه مفعولٌ به.

وأمّا "سِوَى"، و"سَوَاء" مقصورًا وممدودًا، فبمعنى واحدٍ. وذلك أنّك إذا قلت: "عندي رجلٌ سِوَى زيدٍ"، فمعناه: "عندي رجلٌ مكانَ زيد"، أي: يسُدّ مَسَدَّهُ، ولزم الإضافةَ, لأنّ معناه معنَى "غَيْرٍ"، وقد تقدّم الكلام عليهما.

وأمّا "مَعَ"، فهو ظرفٌ من ظروفِ الأمكِنة، ومعناه المُصاحَبةُ. والذي يدلّ على أنّه اسمٌ أنّه إذا أُفرد نُوّن، فيقال: "جاءَا مَعًا". و"أَقْبَلَا مَعًا"، وربّما أدخلوا عليه حرفَ الجرّ، قالوا: "جئتُ مِن مَعِهِ"، أي: من عِنْدِهِ. ولو كان أداةً، لكانت ساكنةَ الآخِر على حدِّ "هَلْ"، و"قَدْ"، و"بَلْ"، إذ لا عِلَّةَ تُوجِب الفتح، وربّما ذُهب بها مذهبَ الحرف، فسُكّن آخِرُها. قال الشاعر [من الوافر]:

٣٥٤ - فَرِيشِي مِنْكُمُ وهَوايَ مَعْكُمْ ... وإن كانت زِيارَتُكُمْ لِمامَا


= وجملة "قفا" ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب، وجملة "نبكِ" لا محلّ لها من الإعراب لأنها جواب شرط مقدّر غير مقترن بالفاء أو "إذا".
والشاهد فيه أنّ: أن "الفاء" الداخلة على الأماكن المذكورة بمعنى "إلى"، أي: منازل بين الدخول
إلى حومل، أو على حذف مضاف.
٣٥٤ - التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص ٢٢٥؛ وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٢٩١؛ والمقاصد النحوية ٣/ ٤٣٢؛ وللراعي النميري في ملحق ديوانه ص ٣٣١؛ والكتاب ٢/ ٢٨٧؛ ولأحدهما في شرح التصريح ٢/ ٤٨؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٣٠٦؛ ورصف المباني ص ٣٢٩؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٩٥؛ ولسان العرب ٨/ ٣٤١ (معع).
اللغة: الريش: اللباس الفاخر. الهوى: الميل. اللمام: الغبّ، أي الحين بعد الحين.
المعنى: يقول: إنّ كلّ ما عندي من لباس ومال هو من خيركم وفضلكم، لذا فإنّ هواي منصرف إليكم وإن كانت مودّتكم لنا غير مستقرّة.
الإعراب: "فريشي": الفاء بحسب ما قبلها، ريشي: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، والياء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. "منكم": جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. "وهواي": الواو: حرف =

<<  <  ج: ص:  >  >>