للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الغالب على الألف، إذا كانت لامًا، الياءُ، والغالبَ عليها، إذا كانت عينًا، الواوُ، فلذلك قُلبت إلى الياء. وربما جاءت هذه الألفُ مع المضمر غيرَ منقلبةٍ على حدِّ مَجيئها مع الظاهر. أنشد أبو زيد [من الرجز]:

٤٠٤ - طَارُوا عَلاهُنَّ، فَطِرْ عَلَاهَا ... واشدُدْ بِمَثْنَى حَقَبٍ حَقْوَاهَا

قال الجُرْجاني: إئما قلبوها مع الضمير ياء ساكنة، لِيدلوا بذلك على أنها أصلٌ، وليست منقلبة عن غيرها مما أصلُه الحركة، نحو الأفعال، مثل: "غَزَا" و"سَعَى"، فاعرفه.

قال: "وياء الإضافة مفتوحة". يعني مع الألف لِما ذكرناه من التقاء الساكنَيْن. فأما قِراءةُ نافع: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} (١) بسكون الياء، فهو غريب لخروجه عن القياس، وما عليه الجُمهورُ. ووجهُ هذه القراءة اعتقادُ الوَقْف، فإنه في الوقف يجوز أن يُجمَع بين ساكنَيْن، فيكون الوقفُ كالساد مَسَدَّ الحركة؛ لأنّ الوقف على الحرف يَزيد في صوته مع أنه استغنى بأحد الشرطَيْن، وهو المدُّ الذي في الألف، والشرطان المَرْعِيان في الجمع بين ساكنَين، أن يكون الساكنُ الأوَّل حرفَ مدّ ولِين، والثاني مُدغَمًا، كـ "الدابة" و"شَابه"، فاعرفه.

* * *


٤٠٤ - التخريج: الرجز بلا نسبة في لسان العرب ١٥/ ٨٩ (علا)؛ وتاج العروس ١٨/ ١٢٠ (قلص)؛ وخزانة الأدب ٧/ ١١٣.
اللغة: طاروا علاهن: أي نفروا على النوق مسرعين، وطِرْ علاها: مثله. الحَقَب: حَبل يُشدُّ به الرحل إِلى بطن البعير. المَثنَى: مصدر ميمي من ثنيت الشيء ثنيًا ومثنى إِذا عطفته. حَقواها: مثنى حَقو، وهو الخصر ومشدُّ الإِزار.
المعنى: يريد أَن القوم نفروا مسرعين على هذه القلاص، ويطلب من مخاطبه أن ينفر عليها هو أيضًا، كما يطلب إليه أن يشدَّ بالحبل خاصرتها.
الإعراب: "طارُوا": فعل ماضٍ مبني على الضم، وواو الجماعة: فاعل، والألف: فارقة. "علاهنَّ": جار ومجرور متعلقان بالفعل "طارو". " فطِر": الفاء: استئنافية، "طر": فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر وجوبًا تقديره: أنت."علاها": جار ومجرور متعلقان بالفعل "طر". "واشددْ": الواو: عاطفة، "اشْدُدْ": فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر وجوبًا تقديره: أنت. "بمثنى": جار ومجرور متعلقان بالفعل "اشدد". "حَقَب": مضاف إِليه مجرور. "حَقواها": مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى، والأصل "حقويْها" ولكن قُلِبَتْ الياء الساكنة المفتوح ما قبلها ألفًا على لغة بني الحارث بن كَعب و"ها": مضاف إِليه محله الجر.
وجملة "طاروا": صفة لمجرور متقدم محلها الجر. وجملة "طر": استئنافية لا محل لها، وعطف عليها جملة "اشدُدْ".
والشاهد فيه قوله: "علاهن فطر علاها" حيث بقيت ألف "على"، ولم تقلب ياء، والشائع المعروف: "عليهن فطر عليها".
(١) الأنعام: ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>