للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"ضربت زيدًا زيدًا"، فهذا تأكيدٌ لـ"زيدٍ" وحدَه بإعادةِ لفظه , و"ضربتُ زيدًا ضربت زيدًا"، فهذا تأكيدُ الجملة بأسّرها, كما أكدتَ المفردَ. ومنه قول الشاعر [من الطويل]:

٤١١ - أَلا يا اسْلَمِي ثمَّ اَسلمي ثُمَّت اسْلَمِي ... ثَلاثَ تَحِيات وإن لم تَكَلَّمِي

أَكُّدَ الجملةَ الأَمْريةَ بتكريرها.

ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فهي خِداجٌ فهي خِداجٌ" (١)، فأمّا قوله [من الخفيف]:

مُرَّ إِنِّي قَدِ امْتَدَحْتُكَ مُرَّا

البيتَين، الشعرُ لأَعشَى هَمْدانَ يمدَح مُرَّة بن تُلَيْدٍ، والشاهدُ فيه تأكيدُ "مرَّةَ" بتكرير لفظى، وهو مرخَّمٌ بإسقاط التأنيث.

وأمّا التأكيد المعنويّ، فيكون بتكريرِ المعنى دون لفظه، نحو قولك: "رأيت زيدًا نفسَه"، و"رأيتُكم أنفُسَكم"، و"مررتُ بكم كلّكم".

وجملةُ الألفاظ التي يؤكَّد بها في المعنى تسعةُ ألفاظٍ: "نَفْسُهُ"، "عَيْنُهُ"، "أَجْمَعُ"، "أَجمَعُونَ"، "جَمعَاءُ"، "جُمَعُ"، "كُلُّهُم"، "كِلَاهُمَا"، "كِلْتَاهُما".

فأمّا "أَكتَعُونَ أَبصَعونَ"، "كَتْعاءُ بَصعاء"، "كُتَعُ بُصَعُ"، فكلها توابع لأَجْمعَ، لا تُستعمل إلا بعده، ولا تُستعمل منفرِدةً، فهي شَبِيهةٌ بقولهم. "شَيطانٌ لَيطانٌ"، وقيل: إِن معناها كمعنَى "أجمعين"، وهو الإحاطةُ والعُموْمُ، فـ "أجمعون" من معنى الجَمْع ولفظِه، و"أكتعون" من قولهم: "أتى عليه حَولٌ كتيعٌ"، أي: تامٌّ، ومنه قولُهم: "ما بالدار كتيعٌ"، أي: أحدٌ.


٤١١ - التخريج: البيت لحميد بن ثور في ديوانه ص ١٣٣؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٤٥٣.
الإعراب: "ألا": حرف استفتاح وتنبيه. "يا": حرف نداء، والمنادى محذوف؛ أو حرف تنبيه فقط. "اسلمى": فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، والياء: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. "ثم": حرف عطف. "اسلمى": كسابقتها. "ثمث": حرف عطف. "اسلمي": كسابقتيها. "ثلاث": مفعول به منصوب بالفتحة لفعل محذوف، بتقدير: أرسل لكِ ثلاث؛ ويجوز رفعها على أنها خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هي. "تحيات": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "وإن": الواو حاليّة، "إن": حرف وصل زائد لا محل له من الإعراب. "لم": حرف جزم وقلب ونفي. "تكلمي": فعل مضارع مجرور بحذف النون لاتصاله بياء المخاطبة المؤنثة، والياء: ضمير متصل مبني في محلّ رفع فاعل.
وجملة "اسلمي": ابتدائية لا محل لها من الإعراب؛ "ثم اسلمي" و"ثمت اسلمي". وجملة "أرسل ثلاث" المقدّرة: استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "وإن لم تكلّمي" في محلّ نصب حال.
والشاهد فيه قوله: "ألا يا اسلمي ثم اسلمي ثمت اسلمي" حيث كرر جملة الأمر توكيدًا للأولى.
(١) في الحديث: "كل صلاةٍ ليست فيها قراءةٌ فهي خِداج" (النهاية في غريب الحديث والأثر ٢/ ١٢). والخِداج: النقصان.

<<  <  ج: ص:  >  >>