حتّى يختلف بالنوع، نحو:"الحيوان"، فإنّه جنسٌ للإنسان، والفرس، والطائر، ونحو ذلك؛ فالعامُّ جنسٌ، وما تحته نوعٌ، وقد يكون جنسًا لأنواع، ونوعًا لجنسٍ، كـ"الحَيْوان"، فإنّه نوعٌ بالنسبة إلى الجِسْم، وجنسٌ بالنسبة إلى الإنسان والفرس. وإذ قد فُهم معنى الجنس فالكلمةُ إذًا جنسٌ، والاسمُ والفعلُ والحرفُ أنواعٌ. ولذلك يصدق إطلاقُ اسم الكلمة على كلّ واحد من الاسم والفعل والحرف، فتقول: الاسمُ كلمةٌ، والفعلُ كلمةٌ، والحرفُ كلمةٌ؛ كما يصدق اسمُ الحيوان على كلّ واحد من الإنسان والفرس والطائر، فاعرفه.
* * *
قال صاحب الكتاب:"والكلام هو المركّب من كلمتين أسندت إحداهما إلي الأخري".
* * *
قال الشارح: اعلم أن الكلام عند النحويين عبارةٌ عن كلّ لفظٍ مستقلٌ بنفسه، مُفيدٍ لمعناه، ويسمّى:"الجملة"، نحو:"زيدٌ أخوك"، و"قام بكرٌ"، وهذا معنى قول صاحب الكتاب:"المركّب من كلمتَيْن أسندت إحداهما إلى الأخرى"، فالمرادُ بالمركّب اللفظ المركّبُ، فحذف الموصوف لظهور معناه.
وقوله:"من كلمتَيْن" فصل احترز به عمّا يأتلف من الحروف، نحو: الأسماء المفردة، نحو:"زيدٍ"، و"عمرٍو"، ونحوهما.
وقوله:"أُسندت إحداهما إلى الأخرى"، فصلٌ ثانٍ احترز به عن مثل "مَعْدِيكَرِبَ" و"حَضْرَمَوْتَ"، وذلك أن المركب على ضربَيْن: تركيبُ إفرادٍ، وتركيبُ إسنادٍ، فتركيبُ الإفراد أن تأتي بكلمتَيْن، فتركّبهما، وتجعلهما كلمةً واحدةً، بإزاء حقيقةٍ واحدةٍ، بعد أن كانتا بإزاء حقيقتَيْن، وهو من قبيل النقْل، ويكون في الأعلام، نحو"معديكرب" و"حضرموت" و"قَالِيقَلَا"(١). ولا تفيد هذه الكَلِمُ بعد التركيب حتى يُخْبَر عنها بكلمةٍ أخرى، نحو "معديكرب مُقْبِلٌ" و"حضرموتُ طيبةٌ"، وهو اسمُ بَلَدٍ باليَمَن. وتركيب الإسناد أن تركّب كلمة مع كلمة، تُنْسَب إحداهما إلى الأخرى. فعرَّفك بقوله:"أُسندت إحداهما إلى الأخرى" أنّه لم يُرِدْ مُطْلَقَ التركيب، بل تركيبَ الكلمة مع الكلمة، إذا كان لإحداهما تعلُّقٌ بالأخرى، على السبيل الذي به يحسن موقعُ الخبر، وتمامُ الفائدة. وإنّما عبّر بالإسناد، ولم يعبّر بلفظ الخبر، وذلك من قِبَلِ أن الإسناد أعمُّ من الخبر، لأنّ الإسناد يشمل الخبر، وغيره من الأمر والنهْي والاستفهام، فكلُّ خبر مسندٌ، وليس كلُّ مسند خبرّا، وإن كان مرجعُ الجميع إلى الخبر من جهة المعنى؛ ألا ترى أنّ معنى قولنا:"قُمْ": أَطْلُبُ قِيامَك. وكذلك الاستفهامُ والنهي، فاعرفه.
* * *
(١) قاليقلا: مدينة في أرمينيا (معجم البلدان ٤/ ٢٩٩).