للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقول: "صرفتُ وجوهَها أوّلِها"، فـ "أوّلها" بدلٌ من المضمر المجرور الذي أضفتَ "الوجوه" إليه، وهذا من بدلِ البعض من الكلّ؛ لأنّ الأوّل بعضُ وجوهِ الإبل. وممّا جاء في التنزيل من ذلك: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} (١)، أي: ذِكْرَهُ، وهو بدلٌ من الهاء في "أنسانيه". والمعنى: وما أنساني ذِكْرَه إلَّا الشيطانُ. ومن ذلك قول الشاعر [من الطويل]:

٤٣١ - على حالَةٍ لو أنَّ في القَوْم حاتِمًا ... على جُودِه لَضَنَّ بالماء حاتِمٍ

جرّ "حاتمًا" لمّا جعله بدلًا من الهاء في "جوده".

وأمّا الثاني، وهو بدلُ المضمر من المظهر، فقولك: "رأيت زيدًا إيّاه"، فـ "إياه" مضمر "زيد" ظاهرٌ، وقد أُبدل منه للبيان. ومن ذلك "مررت بزيدٍ به"، الهاءُ ضميرٌ مجرورٌ، وقد أبدله من "زيد" وأعاد الجارَّ، لأنّه لا منفصِلَ للمجرور، والمتّصلُ لا يقوم بنفسه.

وأمّا الثالث، وهو بدلُ المضمر من المضمر، فنحوُ ذلك: "رأيتُه إيّاه"، فـ "إيّاه" ضميرٌ منفصلٌ، وهو بدلٌ من الهاء في "رأيتهُ"، وهو ضميرٌ متّصلٌ. وساغ ذلك, لأنّ الضمير المنفصل يجري عندهم مجرَى الأجنبيّ، ألا ترى أنّهم لا يُجيزون "ضربتُني"، ويجيزون "ما ضربتُ إلَّا إيّايَ"، و"إيَّايَ ضربتُ"؟

وتقول: "مررت به به"، فالضمير الثاني بدلٌ من الأوّل، وأعدتَ حرفَ الجرّ، لِما ذكرنا من أنّ المجرور لا منفصلَ له. والأقربُ في هذا أن يكون تأكيدًا، لا بدلًا، لأنّك إذا أبدلتَ اسمًا من اسمٍ، وهما لعينٍ واحدةٍ، كان الثاني مُرادِفًا للأوّل، لِيعلم السامعُ بمَجْموعهما. فأما إعادة اللفظ بعينه، فمن قبيل التأكيد.


(١) الكهف: ٦٣.
٤٣١ - التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه ٢/ ٢٩٧. ورواية العجز فيه:
* على جوده ضنت به نفس حاتمِ *
وجمهرة اللغة ص ١١٦٠؛ ولسان العرب ١٢/ ١١٥ (حتم)؛ والمخصص ١٧/ ١٤.
الإعراب: "على حالة": جاز ومجرور متعلّقان بما قبلهما. "لو": حرف شرط وتمنَّ. "أن": حرف مشبّه بالفعل. "في القوم": جاز ومجرور متعلّقان بخبر "أن" المقدم المحذوف؛ أو هما الخبر المقدّم على رأي البعض. "حاتمًا": اسم "أن" منصوب بالفتحة. والمصدر المؤوّل من "أن" ومعوليها في محل رفع فاعل لفعل محذوف، والتقدير: لو ثبُتُ وجود حاتم في القوم. "على جوده": جارّ ومجرور متعلّقان بـ"ضنّ"، والهاء: ضمير متمل مبني في محلّ جرّ مضاف إليه. "لضنّ": اللام: حرف جواب وربط، "ضنّ": فعل ماضٍ مبني على الفتح، وفاعله ضمير مستتر جوازًا تقديره: هو. "بالماء": جاز ومجرور متعلّقان بـ "ضن". "حاتم": بدل من الهاء في "جوده" مجرور بالكسرة.
وجملة "ثبت" لا محلّ لها من الإعراب لأنها جملة الشرط غير الظرفي، وجملة فعل الشرط وجوابه ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "لضنّ": جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "حاتمِ" حيث جرّها على البدل من الضمير في (جوده).

<<  <  ج: ص:  >  >>