للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنّ في تخفيفها تضعيفًا للصوت، وتقريبًا له من الساكن، فامتناعُهم من تخفيف الهمزة مع إمكانِ تخفيفها والنطْقِ بها دليلٌ على أنّ ذلك من لغة العرب. وذلك من قِبَل أنّ المبتدىء بالنطق مستجِمٌّ مستريحٌ، فيُعظِّم صوتَه، والواقفُ تَعِبٌ حَسِرٌ يقِف للاستراحة، فيُضعِّف صوتَه.

وأمّا عُروضُ البناء، فإنّ المبنيّ من الأسماء يكون على ضربَيْن: ضربٌ له حالةٌ يكون مُعرَبًا فيها، وإنّما يعرض له البناء في بعضِ الأحوال، نحو: "يا زيدُ" في النداء. وما كان مثله، فإنّه يكون في غير النداء معربًا، وإنّما عرض البناء في النداء، ومثلُه: "لا رجلَ" في النفي، فإنّ البناء عرض له في حالِ النفي، وفي غير النفي يكون معربًا، نحو: "هذا رجلٌ"، و "رأيت رجلًا"، و"مررت برجلٍ". وكذلك {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} (١) ونحوهما من الغايات، وكالأعداد المركَّبةِ من نحو"خمسةَ عشرَ" إلى "تسعة عشرَ"، فإنّه قبل التركيب كان معربًا.

وضربٌ آخرُ لم يكن له حالةُ تمكن البتّةَ، بل لا يكون قط إلَّا مبنيًا، فجُعل لكلِّ واحد منهما مَرْتبةٌ غيرُ مرتبةِ الآخر. ولمّا كان السكونُ أنقصَ من الحركة، بَنَيْنَا عليه ما لم يكن له حَظ في التمكّن، وبنينا على حركةٍ ما كان له حظٌّ في التمكّن، ليكونَ له بذلك فضيلةٌ على المبنيّ الآخر فاعرفه.

* * *

قال صاحب الكتاب: وسكون البناء يسمَّى وَقْفًا، وحركاتُه ضَمًّا وفَتْحًا وكَسْرًا، وأنا أسوقُ إليك عامّةَ ما بَنَتْه العربُ من الأسماء، إلَّا ما عَسَى يشِذّ منها، أو قد ذكرناه في هذه المقدمة، في سبعةِ أبواب، وهي: المُضْمَراتُ، وأسماء الإشارة، والمَوْصولاتُ، وأسماءُ الأفعال، والأصْواتُ، وبعضُ الظُروف، والمُرَكَباتُ، والكِناياتُ.

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ سيبويه وجماعةٌ من البصريين قد فصلوا بين ألقابِ حركاتِ الإعراب وسكونِه، وبين ألقاب حركاتِ البناء وسكونِه، وإن كانت في الصورة واللفظ شيئًا واحدًا، فجعلوا الفتحَ المَطلقَ لقبًا للمبنيّ على الفتح، والضمَّ لقبًا للمبنيّ على الضمّ، وكذلك الكسر، والوقفَ. وجعلوا النصبَ لقبًا للمفتوح بعامل، وكذلك الرفعَ والجرَّ والجزمَ. ولا يقال لشيء من ذلك مضمومٌ مطلقًا. لا بدَّ من تقييدٍ لئلا يدخل في


= مرفوع بالضمّة. "مُفّنِد": نعت أوّل للدهر مرفوع بالضمّة. "خبل": نعت ثان مرفوع بالضمّة. وجملة "أضرّ ريب المنون به": في محلّ نصب صفة ثانية لـ"رجلًا".
والشاهد فيه قوله: "أَأَن" حيث لم يخفّف الهمزة رغم وقوعها أوّلًا، ورغم أنها مفتوحة كالهمزة بعدها.
(١) الروم: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>