تعريفًا كنايةُ الغائب, لأنّه يكون كناية عن معرفةٍ ونكرةٍ حتّى قال بعضُ النحويّين: كنايةُ النكرة نكرةٌ.
والمضمرات كلُّها مبنية، وإنّما بُنيت لوجهَيْن: أحدهما: شَبَهُها بالحروف، ووجهُ الشَّبَه أنها لا تستبِدّ بأنفسها، وتفتقِر إلى تقدُّمِ ظاهرٍ ترجِع إليه، فصارت كالحروف التي لا تستبِدّ بنفسها, ولا تُفيد معنى إلّا في غيرها، فبُنيت كبِنائها. والوجهُ الثاني: أنّ المضمر كالجزء من الاسم المظهر، إذ كان قولُك:"زيد ضربته" إنّما أتيتَ بالهاء لتكون كالجزء من اسمه دالاًّ عليه، إلا أنّك ذكرتَ الهاء، ولم تذكر الجزء من اسمه لتكون في كلِّ ما تريد أنّ تُضمِره ممّا تقدّم ذكرُه، فكان لذلك كجزء من الاسم، وجزء الاسم لا يستحقّ الإعرابَ.
والمضمر على ضربَيْن: متّصلٌ ومنفصلٌ. فالمتْصلُ: ما كان متّصلًا بعامله. وإنّما قال:"ما لا ينفك عن اتصاله بكلمةٍ"، ولم يقل: بعامل، تحرُّزا من المضاف في نحو:"أخوك" و"شَبِيهك"، فإنّه على رأي جماعةٍ من المحقِّقين العاملُ فيه حرفُ الجرّ المقدَّرُ، لا نفسُ الاسم المضافِ، فلذلك لمَ يُقيِّد اتصاله بالعامل فيه.
والمنفصل: ما لم يتصل بالعامل فيه، وذلك بأن يكون مُعَرَّى من عامل لفظيّ، أو مقدَّمًا على عامله، أو مفصولًا بينه وبينه بحرفِ الاستثناء، أو حرف عطف، أو شيء يفصِل بينهما فصلًا لازمًا.
فإنّ قيل: ولِمَ كانت المضمراتُ متّصلة ومنفصلةَ، وهلّا كانت كلُّها متّصلةً، أو منفصلةً؟ قيل: القياسُ فيها أنّ تكون كلها متّصلةً؛ لأنّها أَوْجَزُ لفظًا، وأبلغُ في التعريف. وإنّما أُتي بالمنفصل لاختلافِ مواقعِ الأسماء التي تُضمَر، فبعضُها يكون مبتدأْ، نحو:"زيدٌ قائمٌ". فإذا كنيتَ عنه، قلتَ:"هو قائمٌ"، أو"أنت قائمٌ"، إن كان مخاطبًا؛ لأنّ الابتداء ليس له لفظٌ يتصل به الضميرُ، فلذلك وجب أنّ يكون ضميرُه منفصلًا.
وبعضُها يتقدّم على عامله، نحو:"زيدًا ضربتُ". فإذا كنيتَ عنه مع تقديمه، لم يكن إلا منفصلًا، لتعذر الإتيان به متّصلًا مع تقديمه، فلذلك تقول:"إيّاه ضربتُ"، أو "إيّاك". قال الله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(١)، أتى بالضمير المنفصل لمّا كان المفعولُ مقدَّمًا.
وقد يُفصَل بين المعمول وعامله، فإذا كُني عنه لا يكون ضميرُه إلَّا مفصولًا، نحو:"ما ضَرَبَ زيدًا إلَّا أنتَ"، و"ما ضربتُ إلَّا إيّاك"، و"علّمتُ زيدًا إيّاه"، فلذلك كانت متّصلةٌ ومنفصلةٌ، والذي يُؤيِّد عندك ذلك أنّ الاسم المجرور، لمّا كان عاملُه لفظيًا, ولا يجوز تقديمُه عليه، ولا فصلُه عنه، لم يكن له ضميرٌ إلَّا متصلٌ، والمتّصل أَوْغَلُ في شَبَهِ