للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمخاطَبِ، فنزّلوا المتكلّمَ منزلةَ الفاعل، ونزّلوا المخاطَبَ منزلةَ المفعول من حيث كان هذا مخاطبًا، وذاك مخاطِبًا، فضمّوا تاء المتكلّم لتكون حركتُها مُجانِسة لحركة الفاعل، وفتحوا تاء المخاطَب، لتكون حركتُها من جنسٍ حركة المفعول. فإذا ثنيتَ، أو جمعتَ المتكلّم، كان ضميرُه "نَا"، ويستوي في علامته الاثنان والجماعةُ، تقول: "ذَهَبْنَا"، و"تَحَدَّثْنَا" ومعك واحدٌ، و"ذهبْنا"، و"تحدّثْنا"، ومعك اثنان فصاعدًا، وإنّما استوى في الضمير لفظُ الاثنين والجمع؛ لأنّ تثنيةَ ضمير المتكلّم، وجمعَه ليس على منهاجِ تثنيةِ الأسماء الظاهرةِ وجمعِها؛ لأنّ التثنية ضمُّ شيء إلى مثله كزيد وزيد، ورجل ورجل، تقول فيهما: "الزيدان"، و"الرجلان". والجمعُ ضمُّ شيء إلى أكثرَ منه من لفظه، كرجل ورجل ورجل، وزيد وزيد وزيد، ونحو ذلك فتقول إذا جمعتَ: "الزيدون"، و"رجالٌ". وليس الأمرُ في هذا المضمر كذلك؛ لأنّ المتكلّم لا يُشارِكه متكلّمٌ آخرُ في خطابٍ واحدٍ، فيكونَ اللفظُ لهما، لكنّه قد يتكلّم الإنسانُ عن نفسه وحدَه، ويتكلّم عن نفسه، وعن غيره، فيجعل اللفظَ المعبَّرَ به عن نفسه وعن غيره مخالِفًا للفظِ المعبّر به عن نفسه وحدَه، واستوى أنّ يكون المضمومُ إليه واحدًا أو أكثرَ، فلذلك تقول: "قُمْنَا ضاحكَيْن"، و"قمنا ضاحكِينَ".

فإنّ كان مخاطبًا، فصلتَ بين لفظِ مذكّره، ومؤنّثه، ومثنّاه، ومجموعه، فتقول في المذكر: "ضربتَ"، وفي المؤنّث "ضربتِ"، فتفتح التاء مع المذكّر، وتكسِرها مع المؤنّث للفرق بينهما. وخصّوا المؤنّث بالكسر؛ لأنّ الكسرة من الياء، والياء ممّا تُؤنَّث بها في نحو"تَفْعَلِينَ" وفي "ذي". ولمّا اختصّت الضمّةُ بالمتكلّم لِمَا ذكرناه، والكسرةُ بالمؤنّث المخاطَبِ، لم يبق إلّا الفتحةُ، فخُصّ بها المخاطَبُ المذكّرُ.

وإنّما احتيج إلى الفصل بين المذكر، والمؤنّث، والتثنيةِ، والجمع في المخاطب؛ لانّه قد يكون بحضرةِ المتكلم اثنان: مذكر، ومؤنث، وهو مُقْبِلٌ عليهما، فيخاطب أحدهما، فلا يُعرَف حتى يُبيِّنه بعلامةٍ، فلذلك من المعنى ثَنَّى، وجمع خَوْفًا من انصرافِ الخطاب إلى بعضِ الجماعة دون بعضٍ، فلذلك تقول: إذا خاطبتَ مذكّرًا: "ضربتَ"، و"فعلتَ"، وفي التثنية: "ضربتِما" و"فعلتما"، وفي الجمع: "ضربتم"، و"فعلتم"، وفي المؤنّث: "ضربتِ"، وفي التثنية "ضربتما"، وفي الجمع: "ضربتُنَّ". يستوي المذكّرُ والمؤنّثُ في التثنية، ويفترقان في الجمع. وذلك لأنّ التثنية ضربٌ واحدٌ لا يختلِف، فلا تكون تثنيةٌ أكثرَ من تثنيةٍ، فلمّا اتّفق معناهما، اتفق لفظُهما. ويختلف الجمعُ في لفظه كما اختلف معناه. وأصلُ "ضربتم" في جمعِ المذكّر: "ضربتُمُوا" بواوٍ بعد الميم، كما كانت التثنيةُ بألفٍ بعد الميم. فالميمُ في الجمع لمُجاوزة الواحد، والواوُ للجمع، كما كانت الميمُ في التثنية لمجاوزة الواحد، والألفُ للتثنية.

وقد يُحذف الواو من الجمع لأمنِ اللبس، إذ الواحد لا ميمَ فيه، والتثنيةُ يلزمها

<<  <  ج: ص:  >  >>