للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو وُجد اسمٌ مُعْرَبٌ نحو "زيد" و"عمرو"، وهو يدلّ على ما دلّ عليه "مَنْ" من غير نيابةٍ، لكان قادحًا في الحدّ. وقد حدّه السيرافيّ بحدٍّ آخَرَ، فقال: "الاسم كلُّ كلمةٍ دلّت على معنّى في نفسها، من غير اقتران بزمان محصَّل"؛ فقولُه: "كلمة" جنسٌ للاسم، يشترك فيه الأضربُ الثلاثُ: الاسم، والفعل، والحرف. وقولُه: "تدلّ على معنى في نفسها" فصلٌ احترز به من الحرف، لأن الحرف يدّل على معنًى في غيره. وقولُه: "من غير اقتران بزمان محصَّل "فصلٌ ثانٍ جُمع بها المصادر إلى الأسماء، ومُنع الأفعال أن تدخل في حدّ الأسماء، لأن الأحداث تدل على أزمنة مُبْهَمة، إذ لا يكون حَدَثٌ إلّا في زمانٍ، ودلالةُ الفعل على زمان معلوم: إمّا ماض، وإمّا غير ماض.

وقد اعترضوا على هذا الحدّ بـ "مَضْرِب الشُّوَّل" (١) و"خُفُوق النَّجْم" (٢)، وزعموا أن "مضرب الشوّل" يدل على الضراب وزمنه، وذلك وقتٌ معلومٌ، وكذلك "خفوق النجم". وقد أُجيب عنه بأنّ "المضرب" وَضْعٌ للزمان الذي يقع فيه الضرابُ دون الضراب، فقولُنا: "مضرب الشوّل" كقولنا: "مَشْتًى" و"مَصِيفٌ". وقولُهم: "أتى مضربُ الشوّل"، و"انقضى مضربُ الشوّل"، كقولهم: "أتى وقتُه" و"ذهب وقتُه". و"الضرابُ" إنمّا فُهم من كونه مشتقًّا من لفظه. والحدودُ يراعَى فيها الأَوضَاعُ، لا ما يُفْهَم من طريق الاشتقاق، أو غيره، ممّا هو من لوازمه. ألا ترى أنّ "ضاربًا" يُفهَم منه "الضربُ"، لأنّه من لفظه؛ والمفعولُ، لأنّه يقتضيه، ولم يُوضَع لواحدٍ منهما، بل وُضع للفاعل لا غيرُ.

وأمّا قول صاحب الكتاب في حدّه: "ما دل على معنى في نفسه دلالةً مجرّدةً عن الاقتران"؛ فقوله: "ما دلّ" ترجمةٌ عن الحقيقة التي يشترك فيها القُبُلُ الثلاثُ، نحو: "كلمةٍ"، ولو صرّح بها لكان أَدَلَّ على الحقيقة، لأنّه أقربُ إلى المحدود، إذ ما عامٌّ يشمل كلَّ دالّ من لفظٍ وغيره، و"الكلمةُ" لفظٌ، والاسمُ المحدودُ من قبيل الألفاظ، لكنّه وضع العامّ موضعَ الخاصّ.

وقوله: "في نفسه" فصلٌ، احترز به عن الحرف، إذ الحرف يدلّ على معنًى في غيره. وقوله: "دلالةً مجرَّدةً عن الاقتران" فصلٌ ثانٍ، احترز به عن الفعل، لأنّ الفعل يدلّ على معنًى مقترنٍ بزمان. وحاصلُ هذا الحدّ راجع إلى الأوّل، وهو ما دلّ على معنى مفرد. ويُرَدّ على هذا الحدّ المصادرُ، وسائرُ الأحداثِ، لانّها تدلّ على معنًى وزمانٍ، وذلك أنّ أكثر النحويين يضيف إلى ذلك الزمانَ المحصَّلَ، لأنّ زمن المصادر مبهم.

ورُبّما أوْردوا نَقْضًا "مَقْدَمَ الحاجِّ" و"خُفوقَ النَّجْمِ". والحقُّ أنّه لا يحتاح إلى التعرُّض، لقوله: "محصَّل"، لأنّا نريد بالدلالة الدلالةَ اللفظيةَ، والمصادرُ لا تدلّ على


(١) الشُّوَّل: جمع شائل، وهي الناقة التي تشول (ترفع) بذنبها للّقاح. (لسان العرب ١١/ ٣٧٥ (شول)).
(٢) خفق النجم: غاب. (لسان العرب ١٠/ ٨١ (خفق)).

<<  <  ج: ص:  >  >>