الغائب, وفي الصفات. ومعنى اللزوم فيه أن إسناد هذه الأفعال إليه خاصة لا تسند البتة إلى مظهر, ولا إلى مضمر بارزٍ. ونحو "فعل", و"يفعل" يسند إليه وإليهما في قولك: "عمرو قام" و"قام غلامه", و"ما قام إلا هو", ومن غير اللازم ما يستكن في الصفة, نحو قولك:"زيدٌ ضاربٌ"؛ لأنك تسنده إلى المظهر أيضاً في قولك:"زيد ضارب غلامه"، وإلى المضمر البارز في قولك:"هندٌ زيد ضاربته هي"، و"الهندان الزيدان ضاربتهما هما"، ونحو ذلك مما أجريتها فيه على غير من هي له.
* * *
قال الشارح: لمّا كانت المضمرات إنّما جِيءَ بها للإيجاز والاختصارِ، قلّت حروفُها، فجُعل ما كان متّصلًا منها على حرف واحد، كالتاء في "قمتُ"، والكاف في "ضَرَبَكَ" إلّا أن يكون هاء، فإنّه يُردَف بحرف لين لخَفائه، واحتمل أن يكون على حرف واحد، لاتصاله بما قبله من حروف الكلمة.
فأمّا المنفصل فيكون على أكثر من حرف واحد، لانفصاله ممّا يعمل فيه، واستقلالِه بنفسه، فهو جارٍ لذلك مجرى الظاهر. وجُعل بعضُ المضمرات مستتِرًا في الفعل منويًّا فيه، غُلُوًّا في الإيجاز، وذلك عند ظهور المعنى، وأَمْنِ الإلباس، وذلك في أفعالٍ مخصوصةٍ، فمن ذلك الفعلُ الماضي إذا أُسند إلى واحدٍ غائبٍ، نحو:"زيدٌ قام"، و"عمرٌو ضرب"، لا يظهر له علامةٌ في اللفظ، فإنّ ثُنّي وجُمع، طهرت علامتُه، نحو:"الزيدان قَاما"، و"الزيدون قاموا".
فإنّ قيل: ولِمَ كان لا يظهر له علامةٌ مع الواحد، وتظهر مع التثنية والجمع، قيل: قد عُلم أن كل فعل لا بدّ له من فاعلٍ، إذ لا يحدُث شيءٌ من ذلك من تِلْقاء نفسه، فقد عُلم فاعل لا محالةَ، فلمّا كان الفعل لا يخلو من فاعلٍ، لم يُحتَج له إلى علامة.
فإن قيل: ولِمَ الفاعلُ الغائبُ إذا أُسْنِدَ إلى الماضي، لا يظهر له علامةٌ، ومع المتكلّم والمخاطب يظهر له علامةٌ، نحوَ:"قمتُ"، و"قمتَ"؟ قيل: مع دلالةِ الفعل على فاعل، وقد تقدّم ظاهرٌ يعود إليه ذلك المضمرُ، أُغني عن علامةٍ له، وليس كذلك مع المتكلّم والمخاطب، فإنّه لا يتقدّم لهما ذكرٌ، فاحتيج إلى علامةٍ لهما لذلك، فاعرفه.
ومن ذلك الصفات كاسم الفاعل واسم المفعول، نحوِ:"ضاربٍ"، و"مضروبٍ"، ونحوِهما من الصفات، فإنّها إذا جرت صفةً لواحد، كان فيها مضمرٌ من الموصوف لِما فيها من معنَى الفعليّة، إلّا أنّه لا يظهر له علامةٌ في اللفظ لِما ذكرناه، نحوَ قولك:"هذا رجلٌ ضاربٌ ومضروبٌ"، فإن وصفتَ بها اثنَيْن أو جماعة، ثنْيتَ الصفةَ، أو جمعتَها، فتقول:"هذان رجلان ضاربان، وغلامان مضروبان". وقامت علامةُ التثنية والجمع مقامَ علامة المضمر، وإن لم تكن إيّاها. والذي يدل على أن التثنية ههنا قائمةٌ مقامَ علامة الضمير، وإن لم تكن إياّها، أنّه إذا خلتِ الصفةُ من المضمر، لم تحسن تثنيتُها, ولا