للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان هذا هو الحق} (١)، وقال تعالى: {كنت أنت الرقيب عليهم} (٢)، وقال: {ولا تحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيراً لهم} (٣)، وقال تعالى: {إن ترن أنا أقل منك مالاً} (٤). ويدخل عليه لام الابتداء، تقول: "إن كان زيدٌ لهو الظريف"، و"إن كنا لنحن الصالحين". وكثير من العرب يجعلونه مبتدأ, وما بعده مبنياً عليه, وعن رؤبة أنه يقول: "أظن زيداً هو خير منك", ويقرؤون: {ومن ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمون} (٥) و {أنا أقل} (٦).

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ الضمير الذي يقع فَصْلًا له ثلاثُ شرائطَ:

أحدها: أن يكون من الضمائر المنفصلة المرفوعةِ الموضع، ويكونَ هو الأوّلَ في المعنى.

الثاني: أن يكون بين المبتدأ وخبرِه، أو ما هو داخلٌ على المبتدأ وخبره من الأفعال والحروف، نحو: "إنَّ" وأخواتها، و"كَانَ" وأخواتِها، و"ظننتُ" وأخواتِها.

الثالثُ: أن يكون بين معرفتَيْن أو معرفةٍ وما قَارَبَها من النكرات.

ويُقال له: فَصْلٌ، وعِمادٌ. فالفصل من عباراتِ البصريين، كأنّه فصل الاسمَ الأوّل عمّا بعده، وآذن بتَمامه، وأن لم يبق منه بَقيةٌ من نعتٍ، ولا بدلٍ إلّا الخبرَ لا غيرُ. والعِمادُ من عبارات الكوفيين، كأنّه عمد الاسمَ الأوّلَ، وقوّاه بتحقيق الخبر بعده.

والغرض من دخول الفصل في الكلام ما ذكرناه من إرادةِ الإيذان بتمام الاسم وكَمالِه، وأنّ الذي بعده خبرٌ، وليس بنعتٍ، وقيل: أُتي به ليُؤذِن بأن الخبر معرفةٌ، أو ما قاربَها من النكرات.

وإنّما اشتُرط أن يكون من الضمائر المنفصلة المرفوعةِ الموضع, لأنّ فيه ضربًا من التأكيد، والتأكيدُ يكون بضميرِ المرفوع المنفصل، نحوُ: "قمتُ أنَا"، و {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (٧)، ولذلك من المعنى وجب أن يكون المضمرُ هو الأولَ في المعنى؛ لأنّ التأكيد هو المؤكَّدُ في المعنى. ولهذا المعنى يُسمّيه سيبويه وَصْفًا كما يسمّى التأكيدَ المحضَ.


(١) الأنفال: ٣٢.
(٢) المائدة: ١١٧.
(٣) آل عمران: ١٨٠.
(٤) الكهف: ٣٩.
(٥) الزخرف ٧٦. وقراءة الرفع هي قراءة عبد الله بن مسعود وأبي زيد (عبد الله بن أبي إسحاق).
انظر البحر المحيط ٨/ ٢٧؛ وتفسير الطبري ٢٥/ ٥٨؛ والكشاف ٣/ ٤٩٦؛ ومعجم القراءات القرآنية ٦/ ١٢٦.
(٦) من الآية: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا} [الكهف: ٣٩]، وقراءة الرفع هي قراءة عيسى بن عمر.
انظر: البحر المحيط ٦/ ١٢٩؛ والكشاف ٢/ ٤٨٥؛ ومعجم القراءات القرآنية ٣٢/ ٣٦٧.
(٧) الأعراف: ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>