للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن لا يقع الفصلُ إلّا بعد الاسم الظاهر ممّا يُوصَف، فلمّا ثبت هذا الحكمُ للظاهر، أُجري المضمر مُجراه، وإن كانت المضمراتُ لا تُنعَت، إذ كان أصلُه المبتدأ والخبرَ، كما ذكرنا في "يَعِدُ"، و"تَعِدُ" و"نَعِدُ": أصل الحذف في "يَعِدُ" لوقوع الواو بين ياء وكسرة، وباقي أخواته محمولة عليه، كذلك ههنا. فلذلك تقول: "كان زيدٌ هو القَائمَ"، و"كنت أنَا القائم".

قال الله تعالى: {فلما توفيتني كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} (١). وتقول: "ظننتُ زيدًا هو القائمَ"، و"حسِبتُ زيدًا هو الجالسَ". قال الله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} (٢). وقال: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا} (٣) من رؤيةِ القَلْب.

واعلم أن قوله تعالى: {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} (٤)، و {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (٥) و {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا} (٦)، يجوز أن يكون المضمر فيه فصلًا، ويجوز أن يكون تأكيدًا؛ لأنّه بعد مضمرٍ، والمضمرُ يُؤكَّد بالمضمر المرفوع إذ كَانَهُ، سواء كان الأوّلُ مرفوعَ الموضع، أو منصوبَه، أو مجرورَه.

واعلمْ أنّ الفصل لا يظهر له حكمٌ في بابِ "إنَّ" وأخواتِها، وباب المبتدأ والخبر، لأنّ أخبارها مرفوعةٌ، فإذا قلت: "زيدٌ هو القائمُ"، و"إن زيدًا هو القاَئمُ"، لم يُعلَم أنّ المضمر فصلٌ أو مبتدأٌ، إلّا بالإرادة والنيّةِ. ولا يظهر الفرق بينهما في اللفظ، ويظهر مع الفعل, لأنّ أخباره منصوبة، نحوَ قولك: "كان زيد هو القائمَ"، و"ظننتُ زيدًا هو العاقلَ". فعُلم أنّ "هُوَ" فصل بنصبِ ما بعده.

وإنّما وجب أن يكون بعد معرفةٍ؛ لأنّ فيه ضربًا من التأكيد، ولفظُه لفظُ المعرفة، فوجب أن يكون الاسمُ الجاري عليه معرفة، كما أن التأكيد كذلك، ووجب أن يكون ما بعده معرفة أيضًا؛ لأنّه لا يكون ما بعده إلّا ما يجوز أن يكون نعتًا لِما قبله، ونعتُ المعرفة معرفةٌ. فلذلك وجب أن يكون بين معرفتَيْن.

وقولنا: "أو ما قَارَبَ المعرفةَ" إشارةٌ إلى بابِ "أفْعَلُ مِن كذا"؛ لأنّه يقع بعد الفصل، وإن لم يكن معرفةً، وذلك لأنّه مُشابِهٌ للمعرفة من أجلِ أنّه غير مضاف.

ويمتنع دخولُ الألف واللام عليه؛ لأنّ الألف واللام تُعاقِب "مِنْ"، فلا تُجامِعها، فجرى مجرَى العَلَم، نحو: "زيد" و"عمرو" في امتناعه من الألف واللام، وليس بمضافٍ مع أن "مِنْ" تُخصّصه؛ لأنّها من صلته، فطال الاسمُ بها، فصارت كالصلة للموصول، وذلك نحوُ قولك: "كان زيدٌ هو خيرًا منك"، و"حسِبتَني أنَا خيرًا منك".


(١) المائدة: ١١٧.
(٢) سبأ:٦.
(٣) الكهف: ٣٩.
(٤) المائدة: ١١٧.
(٥) القصص:٥٨.
(٦) الكهف: ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>