للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جعل في "لَيْسَ" ضميرًا، لم يتقدّمْه ظاهرٌ، ثمّ فَسرَهُ بالجملة من المبتدأ والخبر الذي هو خبرُه.

فأمّا قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} (١)، فقد قرأ حَمْزةُ وحَفْصٌ: "كاد يزيغ" بالياء، وقرأ الباقون بالتاء. وفي رفعِ "قلوب" وجهان:

أحدُهما: أنّها مرتفعة بـ "تزيغ"، وفي "كَادَ" ضميرُ الأمر؛ لأن "كَادَ" فعلٌ، و"تزيغ" فعلٌ، والفعل لا يعمل في الفعل، فلم يكن بد من مرتفع به.

الثاني: أنها مرتفعةٌ بـ "كَادَ"، والخبرُ مقدَّمٌ، وهو"تزيغ"، والأولُ أجودُ؛ لأنّك جعلتَ ما يعمل فيه الأوَّل يلي الآخِرَ، وهذا لا يحسن.

قال: "وربما أنّثوا ذلك الضمير على إرادةِ القصّة". وأكثرُ ما يجيء إضمارُ القصّة مع المؤنْث، وإضمارُها مع المذكر جائزٌ في القياس؛ لأنّ التذكير على إضمارِ المذكر، وهو الأمرُ والحديثُ، فجائزٌ إضمارُ القصة والتأنيثُ لذلك.

وأما قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} (٢)، فإن ابن عامر وحدَه قرأ بالتاء، ورفعِ "آية"، وقرأ سائرُ السبعة بالياء، ونصبِ "آية"، فالنصبُ على خبرِ "كان" و"أن يعلمَه" الاسمُ. ومن قرأ بالتاء والرفعِ، فعلى إضمارِ القصة، والتقديرُ: أو لم تكن القصّة أن يعلمه علماء بني إسرائيل آيةٌ. كأنّك قلت: "عِلْمُ بني إسرائيل آيةٌ"، كما تقول: "لم تكن هندٌ منطلقة"، وأنتَ تريد لم تكن القصّةُ، و"أن يعلمه" مبتدأ، و"آية" الخبرُ، وقد تقدم عليه، كقولهم: "تَمِيمِيٌّ أنَا"، و"مشنوءٌ مَن يَشْنَأُك". ولا يحسن أن يكون "آيةٌ" اسمَ "تَكُنْ"؛ لأنها نكرةٌ، و"أن يعلمه" معرفةٌ، فإذا اجتمع معرفةٌ ونكرةٌ، فالاسمُ هو المعرفةُ، والخبرُ النكرةُ، فلذلك عدل المحققون عن هذا الظاهر إلى إضمار القصّة. وقد ذهب بعضهم إلى أنّ "آية" اسمُ "تكن" وتأنيثَ الفعل لذلك، و"أنْ يعلمه" الخبرُ. قال: لأن الاسم والخبر شيءٌ واحدٌ مع أنها قد خصت بقوله: لَهُمْ. وهذا ضعيفٌ لا يكون مثلُه إلّا في الشعر، وموضعِ الضرورة. ويُقوِّي الوجهَ الأولَ قراءةُ الجماعة، فأمَّا قول الشاعر [من الطويل]:

على أنّها تَعْفُو الكُلومُ وإنما ... نُوَكَّلُ بالأدْنَى وإنْ جَلَّ مايَمْضِي (٣)


= وجملة "هي الشفاء": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ظفرت بها": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "وليس ... إلخ": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "شفاء النفس مبذول": في محل نصب خبر ليس.
والشاهد فيه قوله: "ليس منها شفاء النفس مبذول" فقد جعل في "ليس" ضميرًا، لم يتقدمه ظاهر، ثم فسره بالجملة من المبتدأ والخبر الذي هو خبره.
(١) التوبة: ١١٧. وقد تقدمت منذ قليل.
(٢) الشعراء: ١٩٧. وقد تقدمت منذ قليل.
(٣) تقدم بالرقم ٤٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>