للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمْا الكِسائي، فكان يرى ارتفاعَ الاسم بعد "لولا" بفعل مضمر معناه: لو لم يكن، فعلى هذا ينبغي إذا كُني عنه أن تقول: "لولا أنا"، و"لولا أنت"؛ لأن الفعل لم يظهر، فيتصلَ به كنايتُه، فوجب أن يكون الضمير منفصلًا. وأمّا "عَسَى"، فهو فعل من أفعالِ المقاربة، وهو محمولٌ في العمل على "كَانَ"، لاقتضائه اسمًا وخبرًا، واسمُها مشبَّهٌ بالفاعل يرتفع ارتفاعَه، كما أن "كَانَ" كذلك، فإذا كُنَّي عن اسم "عَسَى"، فينبغي أن يكون كالكناية عن اسمِ "كَانَ"، ضميرا متّصلًا مرفوعَ الموضع، وعَليه الاستعمالُ، نحوُ: "عَسَيتُ"، و"عسيتَ"، و"عسيتُمَا"، و"عسينَا"، و"عسيتُم".

قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} (١) قُرىء بفتح السين وكسرها (٢)، وهما لغتان، والفتحُ أشهرُ، إلّا أنه قد ورد عن العرب: "لولاكَ"، و"لولايَ". قال الثقَفي [من الطويل]:

وِكم موطن لولايَ ... إلخ

وقبله:

عَدُوُّك يَخْشَى صَوْلَتِي إن لَقِيتُه ... وأنْتَ عَدُوِّي ليس ذاك بمُسْتَوِي

الشاهد فيه إتيانُه بضميرِ المجرور بعد "لَوْلَا"، وهي من حروف الابتداء، ومعنَى طِحْتَ: هُلكتَ، والأجرامُ: جمعُ جِرْم، وهو الجَسَدُ، والنِّيقُ: أعلى الجبل، ومُنْهَوِ: ساقِطٌ، وهو شاذٌّ, لأن نونَ المطاوَعة إنّما تدخل فعلاً متعدّيًا، نحوَ: "كسرتُه فانْكَسَر"، و"حسرتُه فانحسر"، و"هَوَ" كما ترى لازمٌ. ومنه قول الآخر [من السريع]:

لولاكَ هذا العامَ لم أحْجُجِ

البيت لعمر بن أبي رَبِيعَةَ، وصدرُه:

أوَمَتْ بكَفيْها مِنَ الهَوْدَجِ

وكان أبو العباس يُنكِر هذا الاستعمال، ويقول: إنّه خَطَأ. والذي استغواهم بيتُ الثقَفي، وفي قصيدته اضطرابٌ، وإنكارُ مثلِ هذا لا يحسن، إذ الثقفي من أعيانِ شعراءِ


= وجملة النداء ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "لولا أنت": استئنافية لا محل لها من الإعراب وجملة "أنت موجود" جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة لأما اهتدينا": جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. وجملة "لا تصدقنا": معطوفة على سابقتها. وجملة "لاصلينا": معطوفة على سابقتها.
والشاهد فيه قوله: "لولا أنت" حيث جاء ضمير الرفع المنفصل "أنت" بعد "لولا"، وهو في محل رفع بالابتداء.
(١) محمَّد: ٢٢.
(٢) قراءة الفتح هي المثبتة في النص المصحفي، وقد قرأ نافع والحسن وغيرهما بالكسر.
انظر: تفسير الطبري ٢٦/ ٣٦؛ وتفسير القرطبي ١٦/ ٢٤٥؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٢٣٠؛ ومعجم القراءات القرآنية ٦/ ١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>