للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يريد العينَيْن، ثمّ جاء بمنخرَيْن على القياس، وقال آخر [من الرجز]:

طارُوا عَلاهُن فطِرْ عَلاهَا ... واشْدُدْ بمَثْنَى حَقَب حَقْواهَا (١)

إن أباها وأَبَا أباها ... قد بَلَغا في المَجْد غايَتاها

وهي لغة فاشيةٌ.

فأمّا قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} (٢)، فقد قرأ ابنُ كَثِير وحَفْص "إن" بالتخفيف، وقرأ أبو عمرو: "إنَّ هذَيْن لساحران" بتشديد النون والياء في "هذين". وقرأ الباقون بتشديد النون والألف. فأمّا قراءةُ ابن كثير وحفصٍ، فعلى أن "إن" المخففةُ من الثقيلة، ودخلت اللامُ فَرْقًا بينها وبين النافية، وأُبطل عملُها لنقصِ لفظها وخروجِها لذلك عن شَبَه الفعل، وهو المختار في "إنِ" المكسورةِ إذا خُفّفت، وقال الكوفيون: "إنْ" ههنا بمعنى النفي، واللامُ بمعنى "إلَّا"، والتقديرُ: ما هذان إلَّا ساحران، وهو حسن على أصلهم، غير أن أصحابنا لا يُثْبِتون مجيء اللام بمعنى "إلَّا".

وأما قراءةُ الجماعة: "إن هذان لساحران"، فأمثلُ الأقوال فيها أن تكون على لغة بني الحارث في جَعْلهم المثنى بالألف على كلّ حال، كأنهم أبدلوا من الياء ألفًا لانفتاح ما قبلها، وإن كانت ساكنةً، كقولهم في "يَيأسُ": يَاءَسُ. وقال أبو إسحاق: الهاء مرادةٌ، والتقديرُ: إنهُ هذان لساحران، واللامُ مزيدة فيه للتأكيد، وحسُن دخولُها في الخبر حيث كانت الجملةُ مفسِّرةً لذلك المضمر، فكأنّها في الحكم بعد "إن"، فدخلت اللامُ مع الهاء للتأكيد كما تدخل مع عدمها. وقال قومٌ: "إن" ها هنا بمعنى "نَعَمْ"، والمعنى: نَعَمْ هذان لساحران، واللامُ مزيدة للتأكيد، وكان محلها أن تكون في الاسم إلا أنهم أخروها إلى الخبر لوجودِ لفظِ "إن"، و"إن" كانت بمعنى "نَعَمْ". وإذا كانوا قد أخروا لام التأكيد من الاسم إلى الخبر نحو قوله [من الرجز]:

٤٧٦ - أُمُّ الحُلَيْس لَعَجُوزٌ شَهرَ بَهْ ... تَرْضَى من اللحْم بَعظْمِ الرَّقَبَهْ


= لِـ "ديوان". وجملة "أعرف ... ": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "أشبها ظبيانا": في محل نصب نعت "منخرين".
والشاهد فيهما: أن لزوم الألف في المثنى "العينان" وفي الأحوال الثلاثة، لغة بني الحارث بن كعب.
(١) تقدم البيت الأول بالرقم ٤٠٤؛ والبيت الثاني بالرقم ٩٤.
(٢) طه: ٦٣.
٤٧٦ - التخريج: الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٠؛ وشرح التصريح ١/ ١٧٤؛ وله أو لعنترة بن عروس في خزانة الأدب ١٠/ ٣٢٣؛ والدرر ٢/ ١٨٧؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٦٠٤؛ والمقاصد النحوية ١/ ٥٣٥، ٢/ ٢٥١؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٣٥٨؛ وجمهرة اللغة ص ١١٢١؛ والجنى الداني ص ١٢٨؛ ورصف المباني ص ٣٣٦؛ وسرّ صناعة الإعراب ١/ ٣٧٨، ٣٨١؛ وشرح الأشموني ١/ ١٤١؛ وشرح ابن عقيل ص ١٨٥؛ ولسان العرب ١/ ٥١٠ (شهرب)؛ ومغني اللبيب ١/ ٢٣٠، ٢٣٣؛ وهمع الهوامع ١/ ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>