الاسم لا يَتعرَّف من جهتَيْن مختلفتَيْن. وإذا ثبت أن الألف واللام لا يفيدان هنا التعريف؛ كان زيادتُهما لضرب من إصلاحِ اللفظ. وذلك أن "الذي" وأخواته ممّا فيه لامٌ إنّما دخل توصُّلاً إلى وصفِ المَعَارف بالجمل، وذلك أن الجمل نكراتٌ. ألا ترى أنها تجري أوصافًا على النكرات، نحوَ قولك:"مررتُ برجلٍ أبوه زيد"، و"نظرتُ إلى غلام قام أخوه". وصفةُ النكرة نكرةٌ. ولولا أن الجمل نكراتٌ، لم يكن للمخاطب فيها فائدة؛ لأن ما تَعرَّف لا يُستفاد، فلمّا كانت تجرى أوصافًا على النكرات لتنكرها؛ أرادوا أن يكون في المعارف مثلُ ذلك، فليم يَسُغ أن تقول:"مررت بزيدٍ أبوه كريمٌ"، وأنت تريد النعت لـ "زَيد"؛ لأنه قد ثبت أن الجمل نكراتٌ، والنكرةُ لا تكون وصفًا للمعرفة. ولم يمكن إدخالُ لام التعريف على الجملة؛ لأن هذه اللام من خَواصِّ الأسماء، والجملةُ لا تختص بالأسماء، بل تكون جملة اسمية، وفعليّة فجاؤوا حينئذ بـ "الذِي" متوصِّلين بها إلى وصف المعارف بالجمل، فجعلوا الجملة التي كانت صفة للنكرة صفة لـ "الذي"، وهو الصفة في اللفظ، والغرضُ الجملة، كما جاؤوا بـ "أيٍّ" متوصلين بها إلى نداءِ ما فيه الألف واللام، فقالوا:"يا أيُّها الرجلُ"، والمقصود نداءُ الرجل، و"أيٌّ" وُصلةٌ، وكما جاؤوا بـ "ذِي" التي بمعنَى "صاحب"، متوصّلين إلى وصف الأسماء بالأجناس، إلَّا أن لفَظَ "الذي" قبل دخولِ الألف وَاللام، لم يكن على لفظِ أوصافِ المعارف، فزادوا في أوّلها الألفَ واللام، ليحصُل لهم بذلك لفظُ المعرفة الذي قصدوه، فيتطابقَ اللفظُ والمعنى.
فإذا ثنيتَ "الَّذي"، قلت في الرفع:"اللَّذانِ"، وفي النصب والجرّ:"اللَّذَيْنِ". واعلمْ أن جميعَ هذه الأسماء المُبهَمة، نحو:"الَّذي"، و"التي"، وأسماءِ الإشارة، ونحوِها ممَّا لا يُفارِقه التعريفُ لا يصح تثنيتُه. فالتثنية فيه إنما هي صيغة موضوعةٌ للتثنية. لأن التثنية إنما تكون في النكرات، نحوِ قولك:"رجل"، و"رجلان"، و"فرسٌ" و"فرسان". فأمّا "زيدٌ"، و"عمرٌو"، و"زيدان"، و"عمران"، فإنك لم تُثَنه إلَّا بعد سَلْبه ما كان فيه من تعريفِ العَلَمية، حتى صار شائعًا كـ"رجلٍ" و"فرسٍ". وإنما كان كذلك من قِبَل أن المعرفة لا يصح تثنيتُها؛ لأن حد المعرفة ما خص الواحدَ من جنسه، ولم يَشِع في أُمته. وإذا ثُنّي، فقد شُورِكَ في اسمه، وخرج عن أن يكون معرفة.
وإذا ثبت أن المعرفة لا تصح تثنيتُها مع بَقاءِ تعريفها، فما لا يصح تنكيرُه، لا تصح تثنيتُه. ولما كانت هذه الأسماءُ ممّا لا يصح اعتقادُ التنكير فيها, لم تكن تثنيتها تثنية حقيقية، وإنما هي صيغةٌ موضوعة للدلالة على التثنية، إلَّا أنها جرت على منهاجِ التثنية الحقيقية في الإعراب، لقُربها من الأسماء المتمكنة. وممّا يؤيِّد أنها وَضْعيةٌ حذفُ الياء في التثنية. ولو كانت تثنية صِناعيّة، لَثبت فيها الياءُ، كما تثبت في "عَمِ"، و"عَمِيانِ".
ومجرى النون فيها مجراها في "هذانِ". وكانت مكسورة؛ لأنها جرت على منهاج التثنية الحقيقية، تقول:"رجلان"، و"فرسان"، بكسر النون، كذلك ههنا. ومنهم من