للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الشارح: لما ذكر الموصولات، وذكر في جملتها "مَا"، أتبعها ذِكْرَ أقسامها، وهي على أربعةِ أضرب:

أحدُها: أن تكون موصولة معرفة بمنزلةِ "الذي". والآخر: أن تكون منكورة غيرَ موصولة. والثالثُ: أن تكون استفهامًا. والرابُع: أن تكون جَزاءً.

فأمّا الأول منها - وهو أن تكون بمعنَى "الذي"، وتوصَل بما يوصَل به "الذي" - فقد تقدم الكلامُ عليها.

وأمّا الثاني: وهو أن تكون منكورة، فهي على ضربَين: أحدُهما: أن تكون غيرَ موصوفة، والآخرُ: أن تكون موصوفة. فأمّا الموصوفةُ، فكقوله تعالى: {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} (١). "عتيد" خبر ثانٍ، أو صفة ثانية. ويجوز أن تكون "مَا" بمعنَى "الذي"، و"لديّ" بعده الصلةُ، وهو خبرٌ عن "هذَا"، و"عتيد" خبر ثان على حد {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} (٢). والفصلُ بين الصفة والصلة أن الصلة لا تكون إلَّا جملة، والصفةُ قد تكون اسمًا مفردًا. فإذا وقعت الجملةُ صفة للنكرة، فإنما تقع من حيث تُوصَف النكراتُ بالجمل، لا أن ذلك لازمٌ، بخِلاف الصلة. والفرقُ بين الجمل التي تكون صلة لـ"ما"، وبين الجمل التي تكون صفة لها، أن الجمل التي تكون صفة لها, لها موضع من الإعراب بحسبِ إعرابِ موصوفها، والجملُ التي تكون صلة لا موضعَ لها من الإعراب.

ومما جاءت فيه منكورة موصوفة قولُه تعالى: {مَثَلًا مَا بَعُوضَةً} (٣). أجاز بعضُهم أن تكون "مَا" نكرة، و"بعوضة" وصف لها على أن تكون "مَا" في موضع البدل مِن "مثلًا". فإن قيل: كيف ساغ وصفُها بـ "بعوضة" وهو نوعٌ؟ قيل: لا يبعد ذلك ها هنا؛ لأن "مَا" اسم عام قرُبت في الإبهام والعموم من "ذَا". وحكمُ هذه الأسماء أن تُبين بأسماء الأنواع، وقد تقدم علةُ ذلك. وكذلك "ما" الثانيةُ في قوله: {فَمَا فَوْقَهَا} (٤)، يجوز أن تكون نكرة، ويكون "فوقها" صفة، والتقديرُ: إن الله لا يَستحي أن يضرب مثلًا شيئًا بعوضة فشيئًا فوقها.

فأمّا قولُ الشاعر [من الخفيف]:

رب ما تكره ... إلخ

فالبيت لأُمَيةَ بن أبي الصلْت، والشاهدُ فيه كونُ "ما" نكرة، وما بعدها صفةٌ لها. والذي يدل أنها نكرةٌ دخولُ "رُبَّ" عليها، وهي بمعنَى "شَيْء". والعائدُ من الصفة محذوف. والمعنى: رُبَّ شيء تكرهه النفوسُ من الأمور الحادثة الشديدةِ، وله فَرْجَةٌ


(١) ق: ٢٣.
(٢) هود: ٧٢.
(٣) البقرة: ٢٦.
(٤) البقرة: ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>