للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} (١)، وقوله تعالى: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (٢)، فـ "مَا" اسمْ نكرة في موضع رفع بالابتداء، والتقديرُ: أي شيء تلك بيمينك.

وهي مبنيةٌ لتضمنها همزةَ الاستفهامِ، وإنما جيءَ بها لضرب من الاختصار، وذلك أنّك إذا قلت: ما بيدك؟ فكأنك قلت: أعصى بيدك، أم سيف، أم خَنْجَر، ونحو ذلك ممّا يكون بيده، وليس عليه إجابتُك عمّا بيده، إذا لم تأت على المقصود، فجاؤوا بـ "ما"، وهو اسمٌ واقعٌ على جميع ما لا يعقِل، مُبْهَمْ فيه، وضمّنوه همزة الاستفهام، فاقتضى الجوابَ من أولِ وَهْلَةٍ، فكان فيه من الإيجاز ما ترى.

وأمّا كونُها جزاءٌ؛ فنحو قولك: "ما تَصنَعْ أَصْنَعْ مثله"، ونحو قوله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} (٣)، ونحو قوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} (٤). وحكمُها في الجزاء في حَصرها الأسماءَ، ووقوعِها عليها، كحكمها في الاستفهام، فإذا قال: "ما تَأكُلْ آكُلْ"، فتقديرهُ: إن تأكلْ خُبْزًا، أو إن تأكلْ لَحْمًا، أو غيرَ ذلك مما يُؤكَل، فـ "مَا" قامت مقامَ هذه الأشياء، وأغنت عن تَعْدادها، كما كانت في الاستفهام كذلك.

فأمّا موضعُها من الإعراب، فعلى حسب العامل، كما أنها في الاستفهام كذلك. إن كان الشرطُ فعلًا غيرَ متعد، كان الموضعُ رفَعًا بالابتداء، نحوَ: "مَا تَقُمْ أَقُمْ"، و"ما تَقُمْ أَضْرِبْ"، كما أنها في الاستفهام كذلك. وإن كان متعديًا، كانت منصوبةَ الموضع به. وإن دخل عليها حرفُ جر، أو أُضيف إليها اسمٌ، كانت مجرورةَ الموضع به، كما أنها في الاستفهام كذلك. فأما انجزامُ الفعل بعدها، وبعد غيرها من أسماء الجزاء، فينبغي أن يكون بتقديرِ "إن"، ولا يكون بالاسم؛ لأَنا لم نجد اسمًا عاملًا في فعلٍ، وإنما الأفعالُ تعمل في الأسماء.

* * *

قال صاحب الكتاب: وهي في وجوهها مُبهَمةٌ، تقع على كل شيء، تقول لشَبَح رُفع لك من بعيد، لا تشعُر به: "ما ذاك؟ " فإذا شعرتَ أنه إنسانٌ، قلت: "مَن هو؟ "، وقد جاء "سُبْحَانَ ما سخركن لنا"، و"سبحانَ ما سبح الرعْدُ بحَمْده".

* * *

قال الشارح: قد تقدّم القول: إن "ما" في وجوهها الأربعة تقع على ذواتِ غيرِ الأنَاسي، وعلى صفاتِ الأناسي، فإذا قلت: "ما في الدار؟ " فجوابُه: "ثوبٌ"، أو


(١) طه:١٧.
(٢) الأنبياء: ٥٢.
(٣) المزمل: ٢٠.
(٤) فاطر:٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>