للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولنا: "صَهْ" أبلغُ في المعنى من "اسْكُتْ"، وكذلك البَواقي.

واعلم أن هذه الأسماء، وإن كان فيها ضميرٌ تستقِل به، فليس ذلك على حدّه في الفعل، ما فيها ألا ترى الفعل يصير بما فيه من الضمير جملةً، وليست هذه الأسماءُ كذلك، بل هي مع ما فيها من الضمير أسماءٌ مفردةٌ على حدّه في اسم الفاعل، واسم المفعول والظرفِ؟ والذي يدل على أن هذه الألفاظ أسماء مفردة إسنادُ الفعل إليها. قالَ زُهَيْر [من الكامل]:

٥١٤ - ولَنِعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أنْتَ إذا ... دُعِيَتْ نَزالِ ولُجَّ في الذعْرِ

فلو كانت "نَزالِ" بما فيها من الضمير جملة، لَما جاز إسنادُ "دُعِيَتْ" إليها من حيث كانت الجمل لا يصح كونُ شيء منها فاعلًا. وإنما لم يصحّ أن تكون الجملةُ فاعلًا؛ لأنّ الفاعل يصحّ إضمارُه، والجملة لا يصحّ إضمارها؛ لأن المضمر لا يكون إلَّا معرفةً، والجمل ممّا لا يصح تعريفُها من حيث كانت معاني الجمل مستفادة. ولو كانت معرفة، لم تكن مستفادةً، فلما تَدافع الأمران فيها (١) وتَنافيا، لم يجتمعا.

والذي يدلّ أن هذه الألفاظ أسماءٌ أُمورٌ:

الأوّل منها: جوازُ كونها فاعلةٌ ومفعولةٌ، فمن الفاعل ما ذكرناه من إسنادِ الفعل


٥١٤ - التخريج: البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٨٩؛ وإصلاح المنطق ص ٣٣٦؛ وخزانة الأدب ٦/ ٣١٧، ٣١٨، ٣١٩؛ والدرر ٥/ ٣٠٠؛ وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٢٣١؛ وشرح التصريح ١/ ٥٠؛ وشرح شواهد الشافية ص ٢٣٠؛ والشعر والشعراء ١/ ١٤٥؛ والكتاب ٣/ ٢٧١؛ ولسان العرب ١١/ ٦٥٧، ٦٥٨ (نزل)، ١٢/ ١٨ (اسم)؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٧٥؛ والمقتضب ٣/ ٣٧٠؛ وهمع الهوامع ٢/ ١٠٥؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٧/ ٢٤٧؛ ورصف المباني ص ٢٣٢.
المعنى: يمدح رجلًا بالشجاعة، ويراه جديرًا بملء درعه عندما تحين ساعة المعركة، ويخاف الناس.
الإعراب: "ولنعم": الواو: استئنافية، واللام: حرف ابتداء وتوكيد لا محلّ له، و"نعم": فعل ماضٍ جامد لإنشاء المدح مبني على الفتح. "حشو": فاعل مرفوع بالضمّة. "الدرع" مضاف إليه مجرور. "أنت": ضمير رفع منفصل مبني في محلّ رفع مبتدأ مؤخّر. "إذا": ظرف زمان متعلق بالفعل دعيت. "دعيت": فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح، والتاء تاء التأنيث الساكنة. "نزال": اسم فعل أمر بمعنى "انزل" مبني على الكسر، في محل رفع نائب فاعل على الحكاية. "ولج": الواو عاطفة، "لُجّ": فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هو. "في الذعر": جار ومجرور متعلقان بالفعل "لُج".
جملة "لنعم حشو الدرع": في محلّ رفع خبر مقدّم للضمير "أنت".وجملة "أنت نعم حشو الدرع": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "دعيت ... ": في محل جرّ بالإضافة. وجملة "لجّ في الذعر": معطوفة على ما قبلها في محل جر.
والشاهد فيه قوله: "دعيت نزال" حيث جاءت "نزال" نائب فاعل، مما يؤكد أنها اسم وليست جملة.
(١) صححتها طبعة ليبزغ في ذيل التصحيحات ص ٩٠٧ إلى "فيهما" ولا أرى هذا التصحيح صائبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>