للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمّا قولُ علي - رضي الله عنه -[من الطويل]:

٥٤٦ - أفاطِمَ هاءِ السَّيْفَ غيرَ ذمِيمِ ... [فلستُ برِعديدٍ ولابِلَئيمِ]

فإنه يحتمل أن يكون من اللغة الأوُلى، ويحتمل أن يكون من هذه اللغة، وحذف الياء لسكون اللام بعدها.

فإن قيل: فهلا حكمتم عليه بأنّه فعل, لاتصال الضمير به على حد اتّصاله بالفعل، كما قلتم في "لَيسَ": إنها فعل مع عدم دلالتها على الزمان الماضي، لاتصال الضمير بها على حد اتصاله بالأفعال. قيل: الجوابُ أنه قد قامت الدلالةُ بما سبق أنه اسم، ومن قال: "هاءِ" أو"هاؤوا" فلقوَّةِ شَبَهه بالفعل، ووقوعِه موقعه، أجراه فجراه في اتصال الضمير به، وعامَلَه معامَلةَ مُقابله، وهو"هاتِ"، و"هاتِيَا"، و"هاتُوا"، و"هاتِينَ"، كما شَبهَ "لَيْسَ" بـ "مَا" من قال: "ليسَ الطيب ألَّا المِسْكُ"، فعامَلَها معاملتَها في إيصالِ عملها عند دخولِ حرف الاستثناء على خبرها.

ومما يدل أنه ليس فعلًا أنك تقول في أمرِ الواحد: "هاءَ"، ولو كان فعلًا، لقيل: "هَأ" كـ"خَف"، فلمّا لم يُقَلْ، دل على أنه اسم، وليس فعلًا. على أن منهم من يقول: "هَأ يا رجلُ"، على زنةِ "خَفْ"، بهمزة ساكنة، و"هاءِ"، أو"هاءِى يا امرأةُ"، و"هاؤُوا"، و"هَأْنَ"، مثلَ: "خَفْنَ" فهؤلاء يجعلونه فعلًا. ويؤيد ذلك ما حكاه الكِسائي من قول الرجل إذا قيل له: "هاءَ": "ممن أهاءُ، وإهاءُ؟ " كما تقول: "ممن أخافُ". وقياس هذا المذهب أن يكون على "فَعِلَ يَفعَلُ"، كـ "عَلِمَ يَعْلَمْ" كـ"خِلت إخالُ" , ولذلك جاز كسر الهمزة من أوله، فقالوا: "إهاءُ"، كما قالوا: "إخال".


٥٤٦ - التخريج: البيت لعلي بن أبي طالب في ديوانه ص ١٧٤؛ وجمهرة اللغة ص ٢٥١؛ وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب ١/ ٣١٩؛ والمحتسب ١/ ٣٣٧.
شرح المفردات: الرعديد: الجبان.
الإعراب: "أفاطم": الهمزة: حرف نداء، "فاطم": منادى مرخم مبني على الضمّ المقدّر على التاء المحذوفة في محل نصب على النداء. "هاء": اسم فعل أمر بمعنى: تناولي، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنتِ. "السيف": مفعول به منصوب بالفتحة. "غير": صفة "السيف" منصوبة بالفتحة، وهو مضاف. "ذميم": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "فلست": الفاء: حرف استثناف، "لست": فعل ماضٍ ناقص، والتاء: ضمير متصل مبنى في محل رفع اسم "ليس". "برعديد": الباء: حرف جرٌ زائد. "رعديد": اسم مجرور لفظا منصوب محلًا على أنه خبر "ليس". "ولا": الواو: حرف عطف، "لا": حرف زائد لتوكيد النفي. "بلئيم": الباء: حرف جر زائد، "لئيم": اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه معطوف على "رعديد".
جملة "أفاطم": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "هاء السيف": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وكذلك جملة "لست برعديد".
والشاهد فيه قوله: "هاء" حيث جاء فعل الأمر بدون الياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>