للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: " ائْتِنى بِهَا "، فَأَتَيْتُهُ بِهَا. فَقَالَ لهَا: " أَيْنَ اللهُ؟ " قَالتْ:

ــ

وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للجارية: " أين الله؟ "، قال الإمام: إنما أراد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يطلب دليلاً على أنها موحدة، فخاطبها بما يفهم قصده، إذ علامة الموحدين التوجه إلى الله إلى السماء عند الدعاء وطلب الحوائج؛ لأن العرب التى تعبد الأصنام، وتطلب حوائجها من الأصنام، والعجم من النيران، فأراد - عليه السلام - الكشف عن معتقدها هل هى ممن آمن؟ فأشارت إلى السماء، وهى الجهة المقصودة عند الموحدين كما ذكرنا.

وقيل: إنما السؤال بأين هاهنا سؤال عما تعتقده من جلالة البارى سبحانه وعظمته. وإشاراتها إلى السماء إخبار عن جلالته تعالى فى نفسها، والسماء قِبْلةُ الداعين، كما أن الكعبةَ قبْلةُ المصلين، كما لم يدل استقبال القبلة على أن الله تعالى فيها، كذلك لم يدل التوجه إِلى السماء والإشارة [إلى السماء] (١) على أن الله سبحانه فيها.

قال القاضى: لا خلاف بين المسلمين قاطبة - محدِّثِهم وفقيههم ومتكلمهم ومقلدهم ونُظَّارِهم - أَنَّ الظواهر الواردة بذكر الله فى السماء كقوله: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} (٢)، أنها ليست على ظاهرها، وأنها متأولة عند جميعهم، أما من قال منهم بإثبات جهة فوق لله تعالى من غير تحديد ولا تكييف من دهماء المحدثين والفقهاء، وبعض المتكلمين [منهم، فتأول فى السماء بمعنى على، وأما دهماء النظار والمتكلمين] (٣) وأصحاب الإثبات والتنزيه المحيلين، أن يختص بجهة أو يحيط به حد، فلهم فيها تأويلات بحسب مقتضاها، منها ما تقدم ذكره فى كلام الإمام أبى عبد الله.

والمسألة بالجملة - وإن تساهل فى الكلام فيها بعض الأشياخ المُقتدى بهم من الطائفتين - فهى من مَعُوصاتٍ مسائل التوحيد، وياليت شعرى ما الذى جمع آراء كافة أهل السنة والحق على تصويب القول بوجوب الوقوف عن التفكر فى الذات كما أُمروا، وسكتوا لحيرة العقل هناك وسلموا، وأطبقوا على تحريم التكييف والتخييل والتشكيل، وأن ذلك من وقوفهم وحيرتهم - غير شك فى الوجود أو جهل بالموجود، وغير قادح فى التوحيد، بل هو حقيقة عندهم ثم يُسامح بعضُهم فى فصل منه بالكلام فى إثبات جهة تخصه أو يشار إليه بحيِّز يحاذيه، وهل بين التكييف من فرقٍ أو بين التحديد فى الذات والجهات بونٌ؟!

لكن إطلاق ما أطلقه الشرع من أنه {الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِه} (٤)، وأنه استوى على


(١) من ت.
(٢) الملك: ١٧.
(٣) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.
(٤) الأنعام: ١٨، ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>