للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأُمِّ هَانِئٍ "، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ. مُلْتَحِفًا فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُول اللهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّى عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً أَجَرْتُهُ، فُلانُ ابْنُ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ ". قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ:

ــ

بجميل القول، ومعنى " مرحباً ": أى صادفت رحباً وسعة. نصبت " مرحباً " على المصدر. وفيه جواز السلام على المغتسل، ومثله المتوضئ بخلاف البائل والمتغوِّط، وفيه ستر ذات المحرم (١) محرمها عند الغسل، وقربها منه، والسترة عليها وعليه، وفيه جواز كلام المغتسل. وقد كره العلماء كلامه على وضوئه وغسله ولا حجة فى هذا الحديث على إباحته أو الكراهة، إنما هو فى كلام المغتسل غسلاً شرعياً [والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما اغتسل هنا تنظفاً من الغبار] (٢) واغتساله - عليه السلام - هذا إنما كان لما ناله من قترة الجيش ووهج الغبرة، وقد جاء مفسراً فى الحديث: " فجاء وعلى وجهه وهج الغبار، فأمر فاطمة أن تسكب له غسلاً ".

وقوله: " ملتحفاً فى ثوب " لكنه فى الرواية الأخرى بقوله: " قد خالف بين طرفيه " وهذا الاضطباع، فيه جواز الصلاة فى الثوب الواحد، وهذه اللبسةُ، وقد تقدم الكلام فى هذا.

وفى قولها: " زعم ابن أمى علىٌّ " إخبار بأخص النسب وتأكيد الحرمة والقربى، لكونه شقيقاً مشاركاً فى جواز الرحم من الأم وأم هانئ هذه شقيقة على، أمهما فاطمة بنت أسد ابن هاشم، وهى أول هاشمية ولدت لهاشمى، واسم أم هانئ ماختة، وهو الأكثر، وقيل هند.

وقوله: " قد أجرنا من أجرت [يا أم هانئ] (٣)، قال الإمام: هذا يحتمل أن يريد به الخبر [عن] (٤) أن حكم الله من إجارته مجاز، ويحتمل أن يكون رأياً رآه فى إنفاذ جوارها، وحكم ابتدأه [قبل نفسه] (٥) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقضى به فى تلك النازلة، وعلى أن المراد هذا اللفظ جرى الخلاف ممن أجاره أحد من المسلمين، هل يمضى ذلك على الإمام ولا يكون له نقضه؟ أم لا؟ (٦) ومن هذا النمط قوله - عليه السلام -: " من قتل قتيلاً فله


(١) فى س: المحارم.
(٢) سقط من س.
(٣) من ع.
(٤) فى ع: على.
(٥) فى ع: قبله.
(٦) من هذا الحديث ذهب فريق من العلماء إلى أن أمان المرأة جائز على كل حال بإذن الإمام وبغير إذنه وأكدوا ما ذهبوا إليه بقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمَّتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم وهم يدٌ على من سواهم " أبو داود وابن ماجة من حديث ابن عمرو.
قالوا: فلما قال: " أدناهم " جاز بذلك أمان العبد، وكانت المرأة الحرة أحرى بذلك.
وذهب آخرون إلى أن أمانها موقوف على جواز الإمام، فإن أجازه جاز، وإن ردَّه رد. وقالوا: إن أمان أم هانئ لو كان جائزاً على كل حال دون إذن الإمام ما كان علىٌّ ليريد قتل من لا يجوز قتله لأمان من يجوز أمانه. وفى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد أجرنا من أجرت " دليل على ذلك لأنه لو كان أمان المرأة غيرَ محتاج إلى إجازة الإمام لقال لها: " من أمنته أنت أو غيرك فلا سبيل إلى قتله "، وهو آمن، ولما قال لها: " قد أمنَّا من أمنت، وأجرنا من أجرت "، وكان ذلك دليلاً على أن أمان المرأة موقوف على إجازة الإمام. قالوا: وهذا هو الظاهر فى معنى هذا الحديث والله أعلم. التمهيد ٢١/ ١٨٧، ١٨٨.
قلت: وعلى القولين فليس بمعنى بذل الأمان للكافر تركه بعد الأمان على كفره، بل يدعى بعده إلى الإسلام. قال ابن عبد البر: وهذا ما لا خلاف فيه على هذا الوجه، ولا سيَّما إذا طمع بإسلامه. التمهيد ١٢/ ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>