للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حجةً كالمسندات، إذ أكثرها كذلك، لا (١) يرسلون إلا ما صَحَّ، ومنهم من جعل هذه أقوى من المسانيد لأن الإمام لا يرسل الحديث إلا مع نهاية الثقة به والصحة (٢). واختار بعض المحققين من المتأخرين قبولَ مُرْسل الصحابى والتابعى إذا عُرِف من عادته أنه لا يَروى إلا عن صحابى، قال أبو عمرو أبو الوليد (٣): ولا خلاف أنه لا يجوز العمل به إذا كان مُرْسِلهُ غيرَ متحرز يُرسِلُ عن غير الثقات.

قال مسلم: " خبر الواحد الثقة (٤) عن الواحد حجةٌ يلزم به العمل ". هذا الذى قاله هو مذهب جمهور المسلمين من السلف والفقهاء والمحدثين و [مذهب] (٥) الأصوليين (٦)، وأن وجوب ذلك من جهة الشرع كأن نقله بواحدٍ عن واحد أو أكثر ما لم يبلغْ عدد التواتر (٧)، وإن أوجب غَلبة الظن دون اليقين والعلم، وذهبت الروافض والقدريَّة وبعض أهل الظاهر إلى أنه لا يجب به عملٌ، واختلفوا بَعْدُ، فمنهم من قال: مانع ذلك العقلُ، ومنهم من قال: الشرع، وقالت طائفة: يجب العمل بمقتضاه عقلاً، وذهب الجبائى من المعتزلة إلى أنه لا يلزم العملُ إلا بما رواه اثنان عن اثنين هكذا إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال غيره: لا يلزم إلا بما رواه [أربع عن أربع] (٨)، ومثل هذا غيرُ موجود، وإن وُجِدَ منه شىء


(١) فى الأصل زيد قبلها: وإذ.
(٢) وهو أحد الأقوال المحكية عن مالك وأبى حنيفة، وقد سبق ذكرهما آنفاً.
(٣) انظر: التمهيد ١/ ٧، ٣٨، وإحكام الفصول: ٧٤٣.
قال النووى: أما مرسل الصحابة وهو ما رواه ابن عباس وابن الزبير وشبههما من أحداث الصحابة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما لم يسمعوه منه فحكمه حكم المتصل، لأن الظاهر روايتهم ذلك عن الصحابة، والصحابة كلهم عدول.
قال: وحكى الخطيب وغيره عن بعض العلماء أنه لا يحتج به كمرسل غيرهم إلا أن يقول: لا أروى إلا ما سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو عن صحابى، لأنه قد يروى عن غير صحابى. قال: وهذا مذهب الأستاذ أبى إسحاق الإسفرايينى الشافعى. إرشاد ١/ ١٧٤.
قال: والصواب المشهور أنه يحتج به مطلقاً لأن روايتهم عن غير الصحابة نادرة، وإذا رووها بينوها. السابق ١/ ١٧٥.
(٤) زيد قبلها فى ت: عن.
(٥) ساقطة من الأصل.
(٦) الرسالة ٣٦٩ فقرة ٩٩٩.
قلت: هذا إذا احتفت به القرائن.
(٧) والمراد بخبر الواحد: ما لم يبلغ رواية حد التواتر- ولا حد الشهرة عند الحنفية- أما عند الشافعية فهو ما عدا المتواتر، الذى هو رواية جمع عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب من أول السند إلى منتهاه. وهذا حدُّ التواتر.
(٨) كررت فى هامش الأصل: أربعة عن أربعة، وكلاهما صحيح.
اللفظى: ومثلوا له بحديث: " من كذب علىَّ متعمداً ".
أما المعنوى فهو: ما اتفق نقلته على معناه من غير مطابقة فى اللفظ. ومثلوا له بأحاديث الشفاعة وأحاديث الرؤية، وأحاديث نبع الماء من بين أصابعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ونحو ذلك. حاشية البنانى على شرح جمع =

<<  <  ج: ص:  >  >>