للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنِّى بَرِىءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّى، والَّذِى يَحْلِفُ بهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ، مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤُمِنَ بَالْقَدَرِ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى - عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بياضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعر، لَا يُرَىَ عَلَيْهِ أَثَر السَّفَر، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِى عَنِ الإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَأَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِىَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ،

ــ

قال الإمام: وأما [ما] (١) ذكر من تبرى (٢) ابن عمر منهم وقوله: " لا يقبل من أحدهم ما أنفق " (٣) فلعله فيمن ذكرنا من الفلاسفة، أو على جهة التكفير للقدرية -على أحد القولين فى تكفيرهم عندنا- إن كان أراد بهذا الكلام تكفير من ذكر.

قال القاضى: قول ابن عمر: " لو كان لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه، ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر " يُصحح أن تبرى ابن عمر منهم لاعتقاده تكفيرهم (٤)، إذ لا يُحبط الأعمال عند أهل السنة شىء سوى الكفر، والقائل بذلك القول كافر بلا خلاف، وإنما الخلاف فى القدرية الآن (٥)، وقال الخطابى: فى تبرى ابن عمر منهم دليل على أن الخلاف إذا وقع فى أصول الدين وتعلق بالمعتقدات يوجب البراءة، بخلاف ما تعلق بأصول الأحكام وفروعها (٦).

وقوله: فى هذا الحديث: " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وذكر الصلاة والصوم والحج والزكاة وقال: " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله


(١) ساقطة من الأصل.
(٢) فى الأصل: تبر.
(٣) لعله يروى هنا بالمعنى.
(٤) وإلى هذا ذهب مالك والشافعى وأحمد، كما سبق.
(٥) وهم الذين اعتقدوا أنهم إذا أثبتوا مشيئة عامة، وقدرة شاملة، وخلقاً متناولاً لكل شىء؛ لزم من ذلك القدح فى عدل الرب وحكمته.
(٦) معالم السنن ٧/ ٦٥.
وقول عمر -رضى الله عنه-: " بينما نحن عند رسول الله إذا طلع علينا رجل ": " بينا " و" بينما " ظرفا زمان، يضافان إلى الجمل الإسمية والفعلية، وخفض المفرد بهما قليل، وهما فى الأصل " بين " التى هى ظرف مكان، أشبعت فيه الحركة فصارت " بينا "، وزيدت عليها الميم فصارت " بينما "، ولما فيهما من معنى الشرط يفتقران إلى جواب يتم به المعنى، والأفصح فى جوابهما عند الأصمعى أن تصحبه " إذ " أو " إذا " الفجائيتان، والأفصح عند غيره أن يتجرد عنهما.
وقوله: " ذات يوم ": " ذات " صلة ترفع احتمال أن يراد باليوم مطلق الزمان، فهى مع اليوم بمنزلة رأيت عين زيد، والعامل فيه معنى الاستقرار الذى فى الخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>