للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إلى آخر ما ذكر " (١)، ففرَّق بين الإسلام والإيمان، وقال مثله فى حديث ضمام النجدى (٢)، ثم ذكر بعد هذا حديث وفد عبد القيس وفيه: " أتدرون ما الإيمان؟ " ففسَّره بما فسَّر به الإسلام فى الحديثين الأولين، فسَّر مجرد الإيمان الذى هو التصديق والذى محله القلب، وفسَّر الإسلام الذى هو العمل الظاهر من شهادة اللسان وأعمال البدن والذى بمجموعها يتم الإيمان والإسلام، إذ إقرار القلب وتصديقه دون نطق اللسان لا ينجى من النار، ولا يستحق صاحبه اسم الإيمان فى الشرع، وإذْ نُطْقُ (٣) اللسان دون إقرار القلب وتصديقه لا يغنى شيئاً، ولا يسمى صاحبه مؤمناً، وهو النفاق والزندقة، وإنما يستحق هذا الاسم من جمعهما، ثم تمام إيمانه وإسلامه بتمام أعمال الإيمان المذكورة فى الحديثين، والتزام قواعده وهو المراد (٤) بإطلاق اسم الإيمان على جميع ذلك فى حديث وفد عبد القيس (٥)، فقد أطلق الشرع على الأعمال اسم الإيمان، إذ هى منه، وبها يتم، ولكن حقيقته فى وضع اللغة: التصديق، وفى عرف الشرع: التصديق بالقلب واللسان، فإذا حصل هذا حصل الإيمان المنجى من الخلود فى النار، لكن كماله المنجى من دخولها رأساً بكمال خصال الإسلام، وبهذا المعنى جاءت زيادته ونقصانه على مذهب أهل السنة (٦)، ولهذه المعانى يأتى اسم الإيمان والإسلام فى الشرع مرة مفترقاً ومرة متفقاً، قال الله تعالى: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} (٧) وقال: {فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِين} إلى قوله:


(١) الإيمان بالملائكة يعنى: التصديق بوجودهم على ما وصفوا به من أنهم عباد مكرمون. والإيمان بالكتب: التصديق بأنها كلامه الحق، سواء نزلت مكتوبة كالتوراة، أو نجوماً كالقرآن. والإيمان بالرسل عليهم السلام: هو التصديق بأنهم جاؤوا عن الله تعالى مؤيدين منه بالمعجزات الدالة على صدقهم. والإيمان باليوم الآخر: التصديق بوجوده وبجميع ما اشتمل عليه وسمى آخراً؛ لأنه آخر أيام الدنيا؛ ولأنه آخر الأزمنة المحدودة، وإنما أعاد مع القدر لفظة: " تؤمن "؛ لعلمه أن الأمة تختلف فيه. إكمال الإكمال ١/ ٦٨.
(٢) سيأتى قريباً.
(٣) فى ت: وإذا أنطق.
(٤) زيد قبلها فى الأصل حرف " إن " وهو خطأ.
(٥) سيأتى قريباً.
(٦) يعنى باعتبار إضافة الأعمال إليه، إضافة كمال، وعند غيرهم الزيادة والنقصان تأتى بتوارد الأدلة على أصل اليقين، ومن منعه منعه على أن الإيمان هو التصديق، ونقصان التصديق يكون شكاً.
وقد حصَّل الآمدى فى زيادة الإيمان ونقصه أربعة أقوال: قيل: الإيمان يزيد وينقص بظاهر القرآن فى غير آية، وقيل: لا يزيد ولا ينقص، لأن الزيادة والنقص شك، والشك كفر، وقيل: إيمان الله تعالى المدلول عليه بقوله: {الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِن} لا يزيد ولا ينقص؛ لأن الزيادة والنقص حادثان، ولا يتصف -سبحانه- بحادث، وإيمان الملائكة والأنبياء -عليهم السلام- يزيد ولا ينقص، وإيمان غيرهم يزيد وينقص.
قال: والحق التفصيل، فإيمان الله -سبحانه- كما ذكر، وإيمان غيره إن فسر الإيمان بالعمل فهو يزيد وينقص، وإن فسّر بأنه التصديق فلا يزيد ولا ينقص، إلا أن يراد بزيادة الإيمان كثرة أشخاص الإيمان باعتبار آحاد الناس، ويعنى بكثرة أشخاص الإيمان توالى الأمثال. إكمال الإكمال ١/ ٦٦.
(٧) الحجرات: ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>